• ×
الثلاثاء 29 شعبان 1444 | 1444-06-23
رسام نجد

حتى الهواء يستحق فيك التعزية‎

رسام نجد

 0  0  6105
رسام نجد

الحرقة .. وألم الفراق .. أفرزت أروع مرثية من قريحة عبد العزيز بن فهد في عمّه سلطان

- سلطان بخيلاً في العتاب والملام !! لكنه نهراً من العطاء لا ينضب واليوم ما طاب البكا غير يمّه

- قراءة في قصيدة الأمير عبد العزيز بن فهد في رثاء سلطان الخير رحمه الله



على مدى حقبة العصور الماضية اشتهر العرب بتجسيد الصورة المشرقة لصناديدهم ولم تكن تلكم الصور التي تخرج تارة شعرا وأخرى خطابه بالشيء اليسير الذي يمكن محوه عبر التاريخ لأن القول يتبعه حقائق مؤرخه عبر الأجيال .. ولعمري حين يرثي رجلا بمقام عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز عمه الأمير الإنسان سلطان بن عبد العزيز عليه شآبيب الرحمة فأن الرثاء يخرج من الوجدان والمشاعر تتناثر فوق الذاكرة لرجل عاش معه وتربى من أخلاقه وحنكته ويحاكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز العقل والمنطق في وفاة عمه الراحل الكبير ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز .. بالقول .. الحمد لله الذي كتب على الناس الموت وجعله يقيناً ، فكل نفس ذائقة الموت ، وكل من عليها فان ، ويبقى وجه ذو الجلال والإكرام .

وعلى قدر المصيبة يكون الحزن ، وعلى قدر المصاب يكون العزاء ، وعلى قدر الرجال تكون الفواجع ويكون الصبر عليها ، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم . مستشهداً بقول الشاعر كأنما عنى به الأمير سلطان :

كذا فليجلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ فليس لعينٍ لم يفضْ ماؤُها عذرُ

توفيتِ الآمالُ بعدَ محمد وأصبح في شغل عن السفرِ السفرُ

وما كان إلا مالَ من قلَّ مالهُ وذخراً لمنْ أمسى وليس له ذخرُ

ويستطرد عبد العزيز بن فهد من دواخله ألم الفراق لرجل أحبه الناس بالقول وليس هذا مقام تأبين الفقيد العظيم ، ولا تبيان مآثره التي شملت القاصي والداني وتستعصي على الحصر في هذه العجالة ، ولا هذا مجال عرض إنجازاته العملية في حياته الحافلة والتي كانت زاخرة بالإنجازات ومليئة بالمهام في سبيل خدمة دينه ومليكه ووطنه ، فذلك أمر مشهود وشأن معروف ، وليس هنا مكان الإشادة بما يتمتع به رحمه الله من خلق سمح وبشاشة وجه وكرم طبع وسجايا حميدة وخصال كريمة قلّ أن تجتمع في شخص واحد ، ولكنها اجتمعت في شخصه رحمه الله ، فكان مثالاً للمؤمن التقي والمسلم النقي ، وقد وسع الناس بخلقه الكريم وجوده العميم ، فكان لا يجاريه في هذا المضمار أحد ولا يضاهيه إنسان ، فكان محل ثناء الجميع وقلّ أن يجمع الناس في الثناء على شخص .

وقتما غيب الموت سلطان الخير ، توقف بحق نبض الحياة للحظات ، واستشعر العالم كل العالم أنه أمام مصاب عظيم يستدعي آهات الوجع من القلوب حتى الحروف التي كانت تركض إلى السطور فرحاً وهي تحكي بالأمس إنجازاته ، ما عادت قادرة على الاقتراب من السطر الذي تلون فجأة بلون السواد .

نعم لقد كان رحيل سلطان الخير فاجعة بكل ما تحمله الكلمة من دلالة ، فاجعة داهمت قلب وطن وهزت فؤاد أمة ، وكتبت على جدار التاريخ تقويماً جديداً للحزن سنقف أمام ساعاته متى حلت بصمت رهيب . وعلى الرغم من إيماننا بأن الموت لا يستأذن البشر إلا أننا تمنينا في هذا اليوم لو استأذننا حقاً ، فلقد أتانا زائراً ليتخير منا الأعز مكانة والأرفع قدراً وينتقي من جواهر العقد أغلى ما حوى . رحل سلطان الخير عن الحياة تاركاً لنا ميراثاً من الحب ، ميراثاً لا يختلف الأبناء في أرباع له وأثمان ، ففي قسمة الحب تبقى الإناث كالذكور والطفل كالرجل الكبير .

فجر سلطان الخير حبيب البسطاء واليتامى على تربة الحياة نهراً من العطاء لا ينضب ورحل ولا يزال النهر يتدفق نشرب منه شربة الأمل ونتعلم من جريانه كيف تعيش مآثر الرجال ومواقف الكبار وعطاءات الفرسان . هذه هي بساطة عبد العزيز لمن يعرفه ويعرف تواضعه الجم وخلقه الرفيع ، يصف عمه ، وهو يتألم حرقة على فراقه وتصيبه الفاجعة لأنها داهمت قلب الوطن وفؤاد أمّة بموجع لا يمكن نسيانه بسهولة ، هذه المعاني في مرثية عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز ، لا يمكن أن تملقه العين دون أن تتوقف لبرهة وتستشعر مدى الحب الغامر بين أبوة سلطان وتهذيب عبد العزيز الذي تربى في مدرسة الفهد ، لأن القارئ لابد وأن نظرات عينيه تقفز من سطر لآخر ثم تعود ثانية لتبدأ القراءة من جديد . ليعاود قراءة المرثية مرات ومرات ليس إعجاباً بالنظم وقوافيه فقط ، بل إعجاباً بالوفاء الناطق بين ثنايا الحروف ، فالأمير لم يزين حرفه ويلون تعابيره التي استقاها من قاموس الحب ، بل دفع بها بكراً ليبكينا معه أشد البكاء .. معانٍ شريفة ونقية لم يُرد عبد العزيز بن فهد أن يشوّه جمالها بإيماءات اللغة وظلال التورية ، بل قدمها للجميع على سطر شديد الوضوح ، وبلغة سهلة وبسيطة .

يقول الأمير في قصيدته :

مات الكريم اللي فعاله تبقيه حي (ن) ويذكر في الأمور المهمه

سلطان لو جينا نعدد حسانيه نفنى ونترك للوريث التتمه

سلطان واسمه واحد (ن) من معانيه يالله برحمتك الوسيعة تضمه

أبخل هل دنيا عتاب ومشاريه وأكرم هل الدنيا على كل يمه

ما كان أحد يبكي وهو قادر يجيه واليوم ما طاب البكا غير يمه

حتى الهوا يستاهل التعزيه فيه حزين ما عاد السنافي يشمه

أحد (ن) يموت وفعل يمناه يحييه وأحد (ن) وهو يمشي على القاع رمه

وحقيقة القول أن خصال الرجال تبدأ بالكرم ولهذا بدأ عبد العزيز بن فهد مرثيته متحدثاً عن الكرم أكثر خصال الأمير سلطان وضوحاً واصفاً أفعاله بجسر البقاء والخلود في ذاكرة محبيه ، ومؤكداً على أن الكرم صار مرادفاً طبيعياً لاسم الأمير سلطان ، يذكران معاً في كل محفل ومقام . وعدد عبد العزيز بن فهد في ثنايا بيته الأول كم للأمير سلطان من أياد بيضاء على الأسر الفقيرة وأن دعوات اليتامى والفقراء والبسطاء ستظل تلاحقه في مثواه لتجعل بعون الله قبره روضة من رياض الجنان .وأكمل أن محاسن سمو الأمير سلطان لا يمكن تعدادها ، وأن المهمة أصعب من أن يتحملها جيل واحد بل على الأجيال القادمة أن تواصل حصدها لهذه المغانم التي تركها سموه ميراثاً لشعب كامل . تشبيهات راقية وصوراً تتحرك استخدمها عبد العزيز بن فهد وهو يرسم ملامح رحلة حياة عاشها الأمير سلطان لشعب المملكة أكثر مما عاشها لنفسه . وتحدث عبد العزيز بن فهد عن نصيب الأمير سلطان من حروف اسمه قائلاً إنه عاش سلطاناً وسيعيش ما استمرت حياتنا سلطاناً في قلوب عشاقه ومحبيه يتربع في المكان الأرحب من الأفئدة ويستحوذ على أكبر مساحات الحب في النفوس . ولم يقف عبد العزيز بن فهد وهو يعدد أوصافا سلطان الخير عند هذا الحد بل عرج إلى نقطة هامة ربما لا يعرفها إلى الخاصة ممن رافقوا الأمير سلطان عن قرب وصاحبوه في كثير من المواقف ، ألا وهي كراهية سموه للعتاب والملام وبخله العظيم فيهما ، وكأنه يرفض أن يرى حمرة الخجل في وجه من أمامه . نعم هذا ما اتفق عليه الجميع ممن صحبوا الأمير سلطان في حياته ، حيث أكدوا أن سموه عاش مؤمناً بأن عصا العتاب أشد إيلاماً من سوط الغضب وأن نظرة بالعين تحمل مرارة موجعة ربما تفوق ألماً صرخة اللسان .. هكذا تعامل الأمير سلطان مع من حوله برقي ما له حدود وكان عنواناً للأدب الجم والخلق الرفيع . والأوصاف التي اختارها عبد العزيز بن فهد وهو يتحدث عن عمه الراحل رحمه الله ، جمعت بين الوصف العام الذي يعرفه العامة والوصف الخاص الذي يدريه المقربون فقط ، كيف لا وهي يحكي عن الأمير الأقرب إلى نفسه وقلبه والعم الذي تربى عمره على خصاله وطبائعه .

نعم شهادات من عرفوا الأمير سلطان تبدو كالوثائق الشريفة ليس فيها سطر مغلوط ، أما شهادات أسرته فنحسبها قفزت خارج إطار القواميس لتبدو هكذا بلا تعريف جامع . الأمير عبد العزيز بن فهد استخدم صورة تعد هي الأروع والأجمل في آن واحد وقتما أراد وصف اللين والرفق في قلب الأمير سلطان ، فلم يتحدث عن الصفتين بشكل واضح ، بل أراد أن يكسوهما بمسحة من البلاغة الجميلة قائلاً إن الأمير سلطان كان يهتز للدموع ، حتى أن أحداً لا يستطيع البكاء في مقامه ، أما بعد الرحيل فعلى العيون أن تقدم عزيز الدمع حزناً وألماً على فراق أعز الأحباب .

" حتى الهوا يستاهل التعزية فيه " ..

أجمل التعابير وأكثرها صدقاً بل أحسبها من الأشطار التي دعت محترفي كتابة الشعر للتوقف أمام ظلالها الإبداعية الجميلة ، فالهواء يستحق اليوم العزاء في أمير الإنسانية كما النسائم الحلوة التي كنا نستشعرها في حياته لم يعد لها اليوم وجود . لغة تنم عن إحساس مرهف وتعابير تبكي سامعها لأنها صادرة من قلب يحب بحق ويحكي بلسان الوفاء عن أمير عاش ملء السمع والبصر ومات تاركاً أحلى الذكريات . إن المرثية التي كتبها الأمير عبد العزيز بن فهد بمزجها السلس الجامع بين البساطة والبلاغة وبغوصها في أدق صفات الأمير الإنسان رحمه الله هي مرثية تحتاج للقراءة ألف مرة وتستنفر المشتغلين في اللغة للفوز بكنوزها ، بل تعد في منظوري عنواناً عريضاً يؤكد الحب في أجل صوره ومعانيه . نعم لقد ذكرت سلفاً إن الأمير سلطان ترك ميراثاً من الحب الكبير ، فلينعم الوارثون بما ترك الفارس الأصيل ، رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه من نعمه التي خص بها عباده الأبرار . ولعمري إن ما يكتب ويقال من قراءات عن فارس عظيم اهتزت بموته الأفئدة لا يمكن أن تحتويها صفحات التاريخ بيد أن العزاء في ذلك ما أكده الأمير عبد العزيز على أن هذه الحروف إنما هي نفثة مصدور وزفرة مكلوم ووسيلة إبراز حزن لا يمكن للكلمات أن تعبر عنه وتضيق اللغة عن وصفه ، .. وكيف لا ؟ وقد شاهد العام برمته امة تبكي إنسان اسمه سلطان

بواسطة : رسام نجد
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:46 مساءً الثلاثاء 29 شعبان 1444.

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة نشر الالكترونية © 2021