أنهت معظم الأسواق المالية في منطقة الخليج تداولاتها في عام 2011 على تراجع جماعي ، فبعد أن كان يخيم الأداء السلبي على الأسواق المالية في المنطقة خلال شهري يناير وفبراير من العام الماضي متأثرة بالاضطرابات السياسية وما أثير عن الأزمة الأوروبية، استطاعت بعض هذه الأسواق أن تقلص من خسائرها بنهاية الربع الأول ومن ثم تقليص معظم تلك الخسائر بنهاية الربع الثاني، إلا أنها عادت مجددا للخسائر مع ولوج فترة الصيف وصدور تقارير تلو الأخرى تنذر بدخول الاقتصاد العالمي نفق مظلم بسبب أزمة ديون أوروبا وركود اقتصادي يطال كبرى الاقتصاديات العالمية، لتستقر المؤشرات بعد ذلك عند تلك المستويات حتى نهاية العام.
ونجح مؤشر بورصة قطر وحيداً في إنهاء عام 2011 على ارتفاع وإن كان بشكل طفيف 1 %، بفضل متانة الاقتصاد القطري والاستقرار السياسي والدعم الحكومي من خلال صناديق حكومية، لينهي عام 2011 عند 8779 نقطة، وجاء السوق السعودي كأقل المؤشرات خسارة من بين المؤشرات الأخرى بخسائر بلغت في حدود الـ 3 %..
في حين سجلت المؤشرات الخليجية الأخرى تراجعات حادة لتسجل ثلاثة مؤشرات منها أدنى مستوى منذ قرابة ست سنوات (البحرين، دبي، الكويت )، وكان أقساها من نصيب بورصة البحرين المتراجع بمقدار 20 % بعد أن سار المؤشر العام في مسار هابط حتى نهاية العام متأثرا بالاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد ذاك العام، وبذات السبب تراجع مؤشرا "الكويت" و"مسقط" بما يناهز 16 %..
انخفاض قيم التداولات
وكان الانخفاض المستمر في التداولات السمة الغالبة على معظم أسواق المنطقة حيث تراجعت جميعا لتسجل ثلاث أسواق (دبي، أبوظبي، الكويت ) أدنى مستوياتها منذ قرابة الست سنوات باستثناء أسواق السعودية وقطر.
أسواق الإمارات:
أنهت أسواق الإمارات في كل من دبي وأبوظبي عام 2011 بخسائر كبيرة جعلت منه أحد أقسى السنوات في تاريخ السوقين، ولم تستطع الأسواق خلال عام 2011 الانضمام لمؤشر الأسواق الناشئة MSCI رغم تطبيق بعض المتطلبات كالدفع مقابل السداد، وهو أمر كانت تعول عليه لإنعاش السوقين وتداولاتهما التي غدت ضحلة للغاية.
ففي سوق دبي المالي كان حصاد عام 2011 خسارة المؤشر العام لـ 17 % تقريبا من قيمته، مع تراجع حاد في قيم التداول، إذ انخفضت التداولات بنسبة 54 %..
ولم يكن سوق أبو ظبي للأوراق المالية أفضل حالا بكثير، إذ خسر المؤشر العام للسوق 12 % خلال عام 2011 كاملا، وهوت قيمة التداولات بنسبة 27 %..
وفي المحصلة وصل سوق دبي المالي إلى مستوى لم يصل إليه في أسوأ أيام الأزمة المالية بداية 2009، فكسر ذلك القاع وهبط إلى مستوى أدنى لم يسجله منذ عام 2004، بينما عاود سوق أبوظبي الهبوط إلى مستويات عام 2009 والذي شهد شدة الأزمة المالية.
وكان أبرز الشركات التي حظيت بارتفاعات قوية ومتميزة خلال عام 2011 شركات قليلة التداول بل نادرة التداول، تتأثر بأقل الصفقات عددا، كشركة دبي للمرطبات التي ارتفعت بنسبة 154 % خلال عام 2011، ولم تحظ شركة قيادية أو نشطة بارتفاع يميزها عن بقية الشركات التي شهدت هبوطا حادا في الإجمال، بينما كانت قائمة أسوأ الشركات أداء تضم شركات نشطة عدة، كتبريد الذي كان من أسوأ الأسهم أداء وبانخفاض محصلته 70 % خلال عام 2011.
وعند النظر لأداء أهم الأسهم القيادية في سوق دبي، فإن معظم الأسهم النشطة والقيادية تكبدت خسائر خلال عام 2011، فالسهم الرئيس في السوق وهو سهم "إعمار" خسر 27 % خلال العام، بينما تكبد سهم سوق دبي أكبر الخسائر إذ بلغت 44 %، وهو سهم يتأثر بشدة لوضع السوق وتراجع تداولاته، بينما حظي سهم "أرابتك القابضة" باستقرار ينهي العام 2011 بمكسب طفيف بلغ فلسا واحدا، وتصدر الأسهم الرابحة خلال عام 2011 سهم بنك الإمارات دبي الوطني وإن بمكاسب قليلة بلغت 6.5 % فقط.
فيما حظيت بعض شركات سوق أبوظبي بأداء متميز نسبيا خلافا لوضع السوق وبقية الأسهم، ولكن هذه الشركات تبقى قلة في مقابل مجموعة أكبر كان أداؤها سيئا، وتصدر سهم بنك أبوظبي التجاري أفضل الأسهم أداء خلال 2011 بمكاسب وصلت إلى 34 % خلال العام، بينما كان أسوأ الأسهم أداء هو سهم "الدار العقارية" الذي انخفض بنسبة 60 % خلال عام 2011.
وكما ذكر آنفا، فإن أسهما في سوق أبوظبي عاكست اتجاه السوق خلال 2011، واتجهت لتحقيق مكاسب كبيرة خلافا لمعظم الأسهم، كبنك أبوظبي التجاري (+ 34 %) وبنك أبوظبي الوطني (+ 10 %)، ومصرف أبوظبي الإسلامي (+ 7 %)، وهي أسهم نشطة في السوق.
أما بقية الأسهم القيادية والنشطة في سوق أبوظبي فتكبدت خسائر متباينة كان أقساها في "الدار العقارية" (- 60 %) و"صروح" (- 48 %)، وأقلها في "اتصالات" (- 15 %) وبنك الخليج الأول (- 15 %):.
بورصة قطر
جاء أداء المؤشر العام لبورصة قطر، أفضل حالاً من بقية أسواق المنطقة، حيث أنهى تعاملاته مرتفعا بمقدار 1 % مضيفا ما يقارب 96 نقطة، وصولا إلى 8778 نقطة، وساهم الاستقرار السياسي ومتانة الاقتصاد القطري الذي يعد من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم بفضل تنوع استثماراتها التي طالت معظم الاقتصاديات العالمية، ناهيك عن الدعم الحكومي من خلال الصناديق الاستثمارية الحكومية، إضافة إلى النتائج الإيجابية للشركات المدرجة في البورصة والتي حافظت على معدل نمو أرباحها، في تجنب نسبي للعوائق التي شهدتها الأسواق الإقليمية والعالمية، من ثورات عربية وأزمة منطقة اليورو.
وكان المؤشر استهل تعاملات العام على ارتفاع بنحو 6 % ليسجل أعلى مستوى له لعام 2011 عند 9290 نقطة، مع تفاؤل المستثمرين آنذاك بنتائج وتوزيعات نهاية العام الماضي، وفي منتصف فبراير تراجع المؤشر بشكل كبير متأثرا بالاضطرابات السياسية، والمؤثرات الاقتصادية الخارجية، ليتراجع حينها بأكثر من 16 % في أقل من خمسة عشر جلسة مسجلا أدنى مستوى لعام 2011 عند 7489 نقطة، ومن ثم عاد للارتفاع التدريجي حتى تمكن في منتصف ابريل من تعويض معظم الخسائر، ومن ثم صار يتراوح بين 8100 نقطة و8800 نقطة، حتى أغلق عند 8778 نقطة.
أما على صعيد الأسهم فقد سجل ما يقارب 19 سهما ارتفاعات متفاوتة، تصدرها سهم "السينما" بمقدار 146 % وصولاً إلى 77 ريالا، ومن ثم سهم "الميرة" بمقدار 142 % عند 151.1 ريال، في المقابل سجل 23 سهماً تراجعاً في الأداء جاء في المقدمة سهم "ازدان" بمقدار 27 %..
وسجلت الشركات الكبرى أداء متفاوتاً، إلا أن الشركات المرتفعة سجلت معدل نمو أعلى من تلك المتراجعة، وجاء في مقدمة الشركات المرتفعة "مصرف الريان" الذي واصل الارتفاع التدريجي طيلة الثلاث سنوات الماضية مرتفعا من خلالها بما يقارب 300 %، مع توسعة الأنشطة المصرفية.
سوق مسقط
وأنهى مؤشر سوق مسقط تعاملات عام 2011 عند مستوى 5695 نقطة، متراجعاً بأكثر من 1000 نقطة خلال العام (ما يعادل 16 %) قياساً بإغلاق العام الماضي 2010، وكان أدنى مستوى وصل له المؤشر خلال العام المنتهي في نهاية شهر نوفمبر، عندما لامس مستوى 5400 نقطة.
وسجلت معظم الشركات الكبرى، تراجعات متفاوتة، تقدمها سهم النورس للاتصالات المتراجع بمقدار 18 %، ومن ثم بنك ظفار، في حين تراجع بنك مسقط بمقدار 8 %.
سوق الكويت
ويعد مؤشر الكويت من أكثر المؤشرات تراجعا خلال عام 2011، متأثرا بالاوضاع الخارجية واستمرار الاوضاع الصعبة لشركات الاستثمار، حيث سجل اكبر تراجع خلال شهر فبراير لتتفاقم تلك الخسائر مع ولوج موسم الصيف حتى سجل ادنى مستوياته للعام 2011 عند 5749 نقطة، والتي كانت دعما رئيسا للمؤشر حتى نهاية العام.
ونظرا لإيقاف عدة أسهم خلال عام 2011 عن التداول لأسباب مختلفة، تم الاقتصار على أداء الشركات الكبيرة وأكثرها ارتفاعا، وأظهرت الحصيلة تراجع جميع الشركات بنسب متفاوتة باستثناء الأهلي المتحد المرتفع بمقدار 20 % والوطنية للاتصالات، وجاء سهم زين كأكثر الأسهم تراجعا بنحو 40 % ..
السعودية
كان اداء الأسواق الخليجية مختلطاً بنهاية تداولات شهر ديسمبر 2011؛ إذ لعبت عدة تطورات على الصعيد الاقتصادي والمالي، دوراً في تشكيل تداولات بورصات معينة.
ففي المملكة العربية السعودية، تمكن مؤشر السوق من إضافة 5.13 في المئة إلى قيمته بنهاية الشهر؛ إذ أغلق مؤشر تداول عند مستوى 6,417.73 نقطة. وخلال الآونة الأخيرة، برزت أنباء عن قيام المملكة بمحاولة بلورة خطتها الهادفة نحو فتح سوق الأسهم السعودية أمام الأجانب خلال النصف الاول من العام 2012، مع توقع أن يتم الانتهاء من القواعد الأساسية خلال فترة لا تتعدى 15 يناير/كانون الثاني 2012. هذا وتلوح فكرة قيام المملكة بالتخطيط لفتح السوق المالية السعودية بدرجة أكبر أمام المستثمرين الأجانب منذ عدة سنوات، إلا أنه في الآونة الأخيرة تسارعت الأنباء عن قيام المملكة بفتح باب الاستثمار المباشر للأجانب، وإن كان بصورة محدودة. ووفقاً للقوانين الحالية لا يمكن للمستثمرين الأجانب شراء الأسهم السعودية إلا من خلال ترتيبات تبادل الأسهم؛ إذ يحتفظ وسيط معتمد بالأسهم نيابة عن المستثمر الأجنبي أو من خلال عدد صغير من صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة.
ومن أنباء السوق السعودية، تم إدراج سهم الشركة المتحدة للإلكترونيات (إكسترا) خلال شهر ديسمبر 2011. هذا وقد تم تغطية الاكتتاب في الشركة الذي اقفل في 11 ديسمبر 2011، بمعدَّل تخطى الضعفين؛ إذ بلغت قيمة الاكتتاب 851.1 مليون ريال سعودي (227 مليون دولار أميركي). وكانت الشركة قد قامت بطرح نسبة 30 في المئة من رأس مالها (396 مليون ريال سعودي)؛ أي ما يعادل 7.2 ملايين سهم، خلال الفترة ما بين 5 ديسمبر و 11 ديسمبر؛ إذ اكتتب نحو 261,000 مكتتب في شريحة الأفراد بقيمة إجمالية قدرها 411.3 مليون ريال، بينما بلغت قيمة اكتتاب المؤسسات والصناديق الاستثمارية المؤهلة بالاكتتاب إلى 439.8 مليون ريال. هذا وقد أنهى سهم إكسترا تداولات الشهر مغلقاً عند سعر 77.25 ريالاً سعودياً، بنمو بلغت نسبته 40.45 في المئة مقارنة بسعر الاكتتاب البالغ 55 ريالاً.
د. محمد كمال أبو عمشة
المستشار المالي والإستثماري في أسواق المال العربية