الوضع الاقتصادي العربي الراهن:
يشهد الاقتصاد العربي طفرة إقتصادية غير مسبوقة في الظروف الراهنة وهي ناجمة بصفة أساسية عن التطورات والأحداث الأساسية التالية:
إرتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستويات غير مسبوفة، مع ما ترتب على ذلك من إرتفاع كبير جداً في المداخيل النفطية والصادرات النفطية للدول النفطية العربية، مما إنعكس زيادة في على معدلات النمو الاقتصادي في هذه الدول.
تواصل وتسارع حركة الإصلاحات التجارية والإستثمارية والمالية والاقتصادية في الدول العربية عموماً، والدول غير النفطية على وجه الخصوص، الأمر الذي عجّل من وتيرة النمو الاقتصادي في هذه الدول.
إزدياد حجم التدفقات المالية الخارجية إلى عدد غير قليل من الأسواق العربية، وتحديداً إلى قطاعات المصارف وأسواق الأوارق المالية، وكذلك إلى مجموعة من المشروعات الإستثمارية والسياحية والعقارية والتنموية والتجارية، وخصوصاً في ظل الفرص الاقتصادية الواعدة المتاحة في هذه الدول.
وعليه، فإنه من المقدّر أن يرتفع معدل النمو الإقتصادي ويزداد حجم هذه التدفقات المالية الخارجية إلى الأسواق العربية، كما من المقدر أن ترتفع القيمة الترسلمية لبورصات الدول العربية عام 2012 بوتيرة أسرع وأكبر من عام 2010 و 2009.
وبالتالي، فإن الاقتصاد العربي سيشهد إزدياداً ملحوظاً في السيولة المالية هذا العام نتيجة الفوائض التي استحقت في الموازنات العامة والموازين التجارية والرأسمالية وتالياً ميزان المدفوعات.
الوضع المصرفي العربي:
بالإرتكاز إلى هذه التطورات الإقتصادية المالية الأساسية المستجدة، فإن القطاع المصرفي العربي مرشّح لمزيد من النموّ والتوسّع والتطوّر خلال المرحلة المقبلة، وذلك من جرّاء الأحداث والتطورات الرئيسية التالية:
التوسّع الحاصل والمرتقب في النشاط الاقتصادي العام في الوطن العربي بشكل عام، وإزدياد فرص السيولة المالية في الأسواق العربية عموماً.
التطوير المتواصل والمكثف الذي تتبناه المصارف العربية عموماً على كافة الأصعدة، ولا سيما على أصعدة الإلتزام بمعايير العمل المالي والمصرفي الدولي (معايير بازل الجديدة، المعايير المحاسبية العالمية، معايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها)، وتطوير أنظمة وسياسات وممارسات إدارة المخاطر المصرفية والمالية، وعصرنة وتنويع قاعدة الخدمات والمنتجات بما يجاري متطلبات العصر والصناعة المصرفية الحديثة، والإستثمار الهادف في تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية، وغيرها.
التوسّع الحاصل والمتواصل في حجم القطاع المصرفي العربي وبما يتجاوز التوسّع الحاصل في الاقتصاد العربي، حيث إن حجم القطاع المصرفي العربي البالغ حالياً (بمقياس الموجودات الإجمالية) أكثر من تريليون دولار أميركي بات يوازي أكثر من 120% من حجم الاقتصاد العربي، الأمر الذي يفسّر بوضوح لجوء عدد من المصارف في بعض الدول العربية إلى التوّسع بشكل سريع وملحوظ في عدة أسواق إقليمية وعالمية إستراتيجية ذات بعد إنمائي بالنسبة لأعمالها ونشاطاتها.
العالم العربي يشهد منذ عدة سنوات إتجاهاً مصرفياً محموداً، وهو قيام تحالفات وعلاقات عمل مشترك ذات أبعاد إستراتيجية بين مصارف عدة دول عربية، الأمر الذي عزّز من شبكة العلاقات المصرفية العربية عموماً وكان لذلك فوائد هامة على صعيد تنمية التبادل التجاري والإستثماري بين الدول العربية بشكل عام.
وبناءً عليه، فإن القطاع المصرفي ذاته سيشهد ازدياداً في سيولته المالية هذا العام، كما أنه سيكون أمام تحدٍ أساسي يتمثل في إدارة سيولته المالية وأيضاً سيولة المالية في الاقتصاد العربي.
المعوقات الإقتصادية:
غير أن هذا النمو الإقتصادي، وهذا النمو المصرفي، القوي مرحلياً والناتج في المدى الآني عن أحداث وتطورات مستجدة قد لا يدوم أو قد لا يتواصل بوتيرة سريعة في المدى الطويل أو الإستراتيجي، وذلك نظراً لمجموعة من المعوقات الهيكلية وغير الهيكلية المشاهدة في بنية الاقتصاد العربي، وأبرزها:
عدم إكتمال مفعول سياسات الإصلاح والتنويع الاقتصادي الذي تتبناه الدول العربية عموماً، حيث لا تزال عدة دول عربية تفرض قيوداً على تحركات أسعار الفائدة والصرف والتجارة الخارجية، كما أن عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية في الدول النفطية لم تحقق بعد النتائج المرجوة، إذ أن مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي للدول النفطية لا تقل عن الثلث، وإيرادات النفط والغاز تزيد على 60-70% من مجموع الإيرادات العامة الفعلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال حصة الصادرات غير النفطية كنسبة من مجموع الصادرات في دول المجلس ضعيفة حيث تتراوح في أحسن الأحوال بين 15-30%. ثم إن سياسات دعم القطاع الخاص ودوره الاقتصادي لا تزال دون المستوى المنشود رغم تبنّي عدة دول عربية هذه السياسات، ويذكر هنا أن حصة المنطقة العربية من إجمالي عمليات الخصخصة العالمية (على صعيد عددها وعلى صعيد قيمتها) لا تزال دون 3%.
عدم نضج عملية إندماج الاقتصاد العربي في الاقتصاد العالمي وأسواقه التجارية والمالية، وذلك بسبب عدم إكتمال مفعول برامج الإصلاح الاقتصادي المتبناة، إذ أن الدول العربية مجتمعة لا تستقطب سوى 1% من تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى العالم و3% من ذلك الوارد إلى العالم النامي. ثم إن حصتها من إجمالي التجارة العالمية هي أقل من 3%. وهذا الأمر يحول دون إستفادة الدول العربية عموماً من الفرص التي تتيحها عملية العولمة الجامحة، هذا إلى جانب تعرضها بشكل أكبر للمخاطر التي تفرزها العولمة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية من جراء تراكض عدة دول عربية للإنضمام إلى المنظمات الدولية من دون تحقيق عمليات الإصلاح والتحرر الاقتصادي على النحو المناسب.
إستمرار ضعف التعاون الاقتصادي العربي في شتى المجالات التجارية والإستثمارية والمالية، وخير دليل على ذلك أنه بالرغم من زيادة حجم التجارة بين الدول العربية، إلاّ أن نسبتها من إجمالي التجارة الخارجية للعالم العربي لا تزال في حدود 10%، فيما حصة الإستثمارات البينية العربية من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي هي في حدود 0.7%، وهذه نسب ضئيلة بالمقاييس العالمية.
الأحداث غير المؤاتية المتواصلة في عدة دول عربية مثل العراق وفلسطين، وتواصل تعثر عملية السلام في المنطقة، وإشتداد الحرب على الإرهاب الدولي، مما يضيف مناخاً عاماً رمادياً على المنطقة العربية، ويساهم في إستنزاف الإمكانات المالية والاقتصادية لعدة دول عربية من جرّاء تواصل الأحداث الأمنية والسياسية غير المؤاتية في أكثر من إتجاه.
المعوقات المصرفية:
على الصعيد المصرفي، فإن هناك مجموعة من المعوقات والصعوبات الهيكلية وغير الهيكلية التي تعترض النمو المنشود في القطاع المصرفي العربي وأبرزها:
صغر حجم المصارف العربية، حيث إن عدد المصارف التي تزيد موجوداتها على 15 مليار دولاراً في العام 2011 بلغ 15 مصرفاً فقط، وعدد المصارف التي تزيد حقوق مساهميها على الملياري دولار بلغ 5 مصارف فقط. وهذا يعني ضعف الإمكانات التمويلية للعديد من المصارف العربية بالنسبة لتمويل المشاريع الإستثمارية والاقتصادية الكبيرة الحجم نسبياً سواء على مستوى دولها أو على مستوى المنطقة ككل.
الكثافة المصرفية والتركز المصرفي، حيث تتسم عدة أسواق مصرفية عربية بازدياد عدد المصارف بما لا يتناسب مع الطاقات الإقتصادية القائمة في تلك الأسواق، هذا في الوقت الذي تسيطر فيه قلة من المصارف الكبرى على نشاط هذه الأسواق، مما يترك عدداً غير قليل من المصارف الصغيرة والمتوسطة التي تناضل من أجل الصمود والبقاء وسط صعوبات سوقية متزايدة.
سيطرة الدولة على ملكية عدد من المصارف الكبرى في بعض الأسواق العربية، الأمر الذي يضعف من هيكل ملكية هذه المصارف وكفاءة عملها وتسببها في عدة أوقات في زيادة الضغوط المالية على حكومات الدول التي تعمل فيها.
كبر حجم محفظة القروض المتعثرة أو غير العاملة لدى العديد من المصارف في عدة دول عربية، وهي تربو على نسب تزيد عن 30% أو 40% لدى عدد لا بأس به من هذه المصارف. وهذا بلا شك أمر له مردود سلبي على تطوّر ونموّ هذه المصارف وكذلك على مستويات ومعدلات ربحيتها.
إشتداد الضغوط على المصارف العربية عموماً من أجل الإلتزام بمعايير العمل المصرفي والمالي والدولي، ولا سيّما معايير بازل الثانية التي تفرض ضغوطاً غير إعتيادية على عدد غير قليل من المصارف في المنطقة العربية من أجل ترسيخ ثقافة الحكم الجيد (Good Governance)، وتطوير سياسات وممارسات إدارة المخاطر، وتحسين الشفافية والإفصاح المالي وفق المعايير الدولية وغيرها.
دور المصارف العربية:
بالنسبة للدور الذي تقوم به المصارف العربية على الصعيدين الاقتصادي والتنموي، فإن المصارف العربية تعتبر أداة التمويل الأولى والرئيسية للاقتصادات العربية والمشاريع الاقتصادية والإستثمارية والتنموية وقطاع الشركات وحتى قطاع المستهلكين في عموم الدول العربية. والقطاع المصرفي هو أكبر وأهم القطاعات المالية على الإطلاق (بالمقارنة مع البورصات العربية أو قطاعات التأمين أو شركات وصناديق الإستثمار المشترك أو صناديق التقاعد وغيرها من القطاعات المالية)، وذلك على أصعدة الحجم والإمكانات المالية والتمويلية.
والمصارف العربية عن طريق تأسيسها مصارف أو شركات تابعة ناشطة في مجالات الصيرفة الإستثمارية والتمويل التأجيري وصناعة رأس المال المخاطر وأنشطة أسواق رأس المال على تنوعها، قد استطاعت تبني فكر الصيرفة الشاملة (Universal Banking) وتعزيز قدراتها في مجال تمويل المشاريع الاقتصادية والاستثمارية ودعم البورصات العربية
وهنا لا بد من التأكيد على أهمية الأدوار التالية للمصارف العربية:
أ- الترويج والتعريف بالفرص الإستثمارية المتاحة في الأسواق المحلية وذلك بالنسبة للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب؛
ب- توجيه جزءاً أساسي من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل المشاريع والشركات وقطاع المستهلكين وحتى القطاع العام في دولها؛
ج- تخصيص جزءاً أيضاً من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل التبادلات الإستثمارية والتجارية بين دولها؛
د- تخصيص جزءاً أيضاً من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل التبادلات الإستثمارية والتجارية بين دولها؛
هـ - الإستثمار، سواء بجزء من مواردها المالية الخاصة أو بموارد زبائنها، في أسواق الأوراق المالية المحلية وأيضاً الأسواق الإقليمية والدولية.
غير أن هذا الدور الاقتصادي والتنموي والمالي للمصارف العربية يبقى دون المستويات المنشودة، وهي أيضاً تواجه حالياً صعوبات جمة في توظيف فوائض السيولة لديها، وكذلك إدارة الفوائض المالية الناتجة عن الفورة النفطية المستجدة، نظراً لعدة أسباب أبرزها:
ضيق فرص الإستثمار والأعمال القائمة والمحتملة في الدول العربية في ظل الصعوبات والمعوقات التي تحدثنا عنها سابقاً.
عدم وجود أسواق كبيرة الحجم أو سوق إقليمية عربية واسعة النطاق لاستيعاب فوائض السيولة المذكورة.
ضعف حجم التعامل الاقتصادي بين الدول العربية ولا سيّما على الصعيد التجاري كما على الصعيد الإستثماري.
ضعف فرص الإستثمار المالي في البورصات العربية نظراً لضعف سيولة وعمق واتّساع هذه الأسواق وضعف الطلب على، وعرض، الأوراق المالية العربية والدولية فيها.
والخوف أن تتحول هذه الفوائض المالية المستجدة لدى المصارف والحكومات العربية إلى مصدر ضغط على معدلات التضخم في الدول العربية التي بقيت لعدة سنوات حتى الآن في حدود المستويات المعتدلة المعززة للنمو والاستقرار الاقتصادي، الأمر الذي له سلبيات عديدة، في حال حصوله، على برامج الإصلاح والتحرر الاقتصادي وأهداف هذه البرامج على كافة الأصعدة، ولا سيما على مستويات الدخل الفردي الحقيقي ومستويات المعيشة والوضع الإجتماعي ككل في عدة دول عربية.
المطلوب للمرحلة المقبلة:
لذا، فإن المطلوب خلال المرحلة المقبلة تكثيف جهود القطاعين العام والخاص في الدول العربية من أجل إرساء وتطوير مناخات إقتصادية قادرة على إستيعاب فوائض السيولة المالية الحالية، وتدعيم آفاق النمو الاقتصادي والمصرفي في المنطقة العربية، وتحسين عملية إندماج الاقتصاد العربي وقطاعه المصرفي في السوق الدولية لإقتناص الفرص الجديدة. وفي هذا المجال، يمكننا إقتراح الإجراءات والتدابير الاقتصادية والمالية والمصرفية التالية لتحقيق تلك الأهداف العريضة الإستراتيجية:
تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية في الاتجاهات التي تكفل تنويع البنية الاقتصادية في الدول العربية وتحرير النشاط الاقتصادي بشكل كامل، ودفع خطوات خصخصة القطاع العام بما يزيد الدور الاقتصادي والتنموي للقطاع الخاص فيها، وتقليل وتيرة منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الموارد المالية المتاحة من قبل القطاع المصرفي بالدرجة الأولى.
تحديث وعصرنة الأطر التشريعية التي تحكم مناخات الاستثمار في الدول العربية، وفي الإتجاهات التي تكفل زيادة الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى الأسواق العربية، وتشجيع القطاع الخاص على توسيع نشاطاته وأعماله سواء في الأسواق المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وكذلك زيادة الإستثمار المحفظي في البورصات العربية.
تركيز السلطات النقدية والمصرفية والعربية على تحسين إدارة برامج الإصلاح النقدي في الإتجاه الذي يستهدف تعزيز كفاءة وفاعلية السياسة النقدية وإعطاء دور أكبر ومتزايد لعوامل السوق، بحيث يتدعم أكثر إستخدام الأدوات غير المباشرة في إدارة السياسة النقدية.
إن تنشيط وتنمية حركة الإستثمار البيني وإستقطاب الإستثمار الأجنبي إلى الدول العربية، يتطلب بالضرورة:
العمل على تحقيق الإستقرار في القوانين والتشريعات الحاكمة للإستثمار المحلي والأجنبي، من أجل زيادة الطمأنينة والثقة لدى المستثمرين.
العمل على توحيد المؤسسات والجهات المعنية بقضايا الإستثمار تحت مظلة واحدة، لتبسيط إجراءات الحصول على الموافقات والترخيص وتسجيل المشاريع الإستثمارية والحدّ من تكاليف هذه الإجراءات.
تعزيز النظام القضائي وإضفاء ثقة أكبر على عمله.
تطوير وتنظيم الأجهزة الحكومية، في الإتجاه الذي يكفل وضع حدّ لمظاهر البيروقراطية والفساد الإداري.
الإستمرار في تنفيذ برامج الإصلاح المالي والإداري، في الإتجاه الذي يعزّز الإنفتاح والتحرّر الإستثماري والاقتصادي.
تكثيف الجهود العربية لتطوير وتحديث الأسواق المالية وتحسين أدائها، بغية زيادة كفاءتها في حشد الموارد وتعزيز قدراتها التنافسية في إجتذاب الإستثمارات الأجنبية، وفي توفير التمويل طويل الأجل للقطاع الخاص لتمكينه من القيام بدوره المنشود في عملية التنمية. وفي هذا الإطار، من الأهمية بمكان مواصلة السياسات الرامية إلى تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لأسواق الأوراق المالية، وخصوصاً تحديث القوانين الراهنة وإنشاء هيئات للأسواق المالية، وتحديث أنظمة التداول سعياً لإقامة أنظمة إلكترونية بالكامل، وتحديث أنظمة التسوية والحفظ المركزي عبر إيجاد مراكز إيداع محلية للأوراق المالية، وتطوير نشاط الوساطة ومواصلة عمليات الإدراج المشترك للأسهم بين الأسواق العربية، وإصدار القوانين التي تشجّع الإستثمار الأجنبي في أسواق الأوراق المالية المحلية.
إصدار قوانين مصرفية تشجع وتحفّز عمليات الدمج والتملّك بين المصارف خارج الحدود ضمن المنطقة العربية، وأيضاً ترتيب وتنفيذ تحالفات إستراتيجية بينها، بحيث يتعمق أكثر التعاون المصرفي العربي عبر الحدود ضمن المنطقة العربية، الأمر الذي بالغ الفائدة بالنسبة لدعم التعاون الاقتصادي العربي بكافة أشكاله التجارية والإستثمارية والمالية.
مواصلة وزيادة سياسات الإندماج العربي في الإقتصاد العالمي وأنظمته التجارية والمالية والمصرفية، بحيث تحرص الدول العربية على الإنضمام للمنظمات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، وأيضاً الإلتزام بمعايير العمل والمالي والمصرفي التي تضعها المرجعيات المالية الدولية، مثل مجموعة العمل المالي الدولي (FATF) ولجنة بازل وغيرها. وهذا الأمر له أهميته البالغة بالنسبة لزيادة الثقة الدولية بالقطاع المصرفي العربي، الأمر الذي يسهّل حصوله على الموارد المالية الدولية سواء إقتراضاً أو استقطاباً، كما يدعم توجه العديد من المصارف العربية للعمل في الأسواق الدولية سواء بفتح فروع لها أو مصارف تابعة لها أو إجراء تحالفات عمل مع مصارف عالمية.
تحقيق التنفيذ الفعلي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى علماً بأنه تم الإعلان عن الإنتهاء منها منذ مطلع العام الحالي، حيث لا تزال هناك إستثناءات وقيود عديدة تعترض حرية التبادل التجاري اليسر بين الدول العربية حسب المفهوم الحقيقي لهذه المنطقة. ومن الأهمية بمكان البناء على هذه المنطقة من أجل إقامة إتحاد جمركي عربي، ومن ثم السوق العربية المشتركة التي تعتبر الإمتداد الطبيعي للتعاون الإقتصادي العربي الحقيقي، والذي يحوّل الوطن العربي إلى سوق إقتصادية واسعة النطاق تتدفق فيها السلع والخدمات والأموال والأشخاص بكل حرية ويسر، الأمر الذي يحفّز المصارف العربية على تمويل كافة أشكال التدفقات الاقتصادية هذه وتمويل مشاريع التنمية والاستثمار الإقليمية على نحو أفضل.
العمل على توثيق عرى التعاون بين المصارف العربية وصناديق الإنماء العربي المتخصصة في تقديم التمويل المتوسط والطويل الأجل، وذلك من خلال تبني أساليب التمويل المشترك للمشروعات التنموية في الوطن العربي. ويمكن في هذا الصدد أن تقوم صناديق الإنماء العربي الإقليمية منها والوطنية بإصدار سندات دين لتمويل مشروعات في الدول العربية تساهم فيها المصارف العربية من خلال الإكتتاب في هذه الإصدارات من جهة وترويجها للمستثمرين من عملائها من جهة أخرى. وهذا الأمر من شأنه فتح آفاق تمويلية رحبة وخلق أدوات مالية تتمتع بدرجة عالية من الأمان.
قيام المصارف المركزية العربية بتسنيد (توريق) أدوات التمويل التجاري المرتبطة بالتبادل التجاري العربي، وتسهيل قابلية تداولها في أسواق رأس المال وإستعداد المصارف المركزية لإعادة خصمها للمصارف التجارية.
إيجاد صيغة جديدة من شأنها تفعيل الدور المشترك بين المصارف العربية والبرامج الإنمائية مثل برنامج تمويل التجارة العربية التابع لصندوق النقد العربي وكذلك البرامج المماثلة التي يوفرها البنك الإسلامي للتنمية لتوسيع نطاق التبادل التجاري بين البلدان العربية. إذ من الملاحظ أن كثيراً من المصارف التجارية العربية لم تقم بالدور المأمول في هذا المجال سواء من حيث إستغلال التمويل المتاح من خلالها أو الترويج والتعريف بها لدى عملائها.
د. محمد كمال أبو عمشة
المستشار المالي والإستثماري في أسواق المال العربية
يشهد الاقتصاد العربي طفرة إقتصادية غير مسبوقة في الظروف الراهنة وهي ناجمة بصفة أساسية عن التطورات والأحداث الأساسية التالية:
إرتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستويات غير مسبوفة، مع ما ترتب على ذلك من إرتفاع كبير جداً في المداخيل النفطية والصادرات النفطية للدول النفطية العربية، مما إنعكس زيادة في على معدلات النمو الاقتصادي في هذه الدول.
تواصل وتسارع حركة الإصلاحات التجارية والإستثمارية والمالية والاقتصادية في الدول العربية عموماً، والدول غير النفطية على وجه الخصوص، الأمر الذي عجّل من وتيرة النمو الاقتصادي في هذه الدول.
إزدياد حجم التدفقات المالية الخارجية إلى عدد غير قليل من الأسواق العربية، وتحديداً إلى قطاعات المصارف وأسواق الأوارق المالية، وكذلك إلى مجموعة من المشروعات الإستثمارية والسياحية والعقارية والتنموية والتجارية، وخصوصاً في ظل الفرص الاقتصادية الواعدة المتاحة في هذه الدول.
وعليه، فإنه من المقدّر أن يرتفع معدل النمو الإقتصادي ويزداد حجم هذه التدفقات المالية الخارجية إلى الأسواق العربية، كما من المقدر أن ترتفع القيمة الترسلمية لبورصات الدول العربية عام 2012 بوتيرة أسرع وأكبر من عام 2010 و 2009.
وبالتالي، فإن الاقتصاد العربي سيشهد إزدياداً ملحوظاً في السيولة المالية هذا العام نتيجة الفوائض التي استحقت في الموازنات العامة والموازين التجارية والرأسمالية وتالياً ميزان المدفوعات.
الوضع المصرفي العربي:
بالإرتكاز إلى هذه التطورات الإقتصادية المالية الأساسية المستجدة، فإن القطاع المصرفي العربي مرشّح لمزيد من النموّ والتوسّع والتطوّر خلال المرحلة المقبلة، وذلك من جرّاء الأحداث والتطورات الرئيسية التالية:
التوسّع الحاصل والمرتقب في النشاط الاقتصادي العام في الوطن العربي بشكل عام، وإزدياد فرص السيولة المالية في الأسواق العربية عموماً.
التطوير المتواصل والمكثف الذي تتبناه المصارف العربية عموماً على كافة الأصعدة، ولا سيما على أصعدة الإلتزام بمعايير العمل المالي والمصرفي الدولي (معايير بازل الجديدة، المعايير المحاسبية العالمية، معايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها)، وتطوير أنظمة وسياسات وممارسات إدارة المخاطر المصرفية والمالية، وعصرنة وتنويع قاعدة الخدمات والمنتجات بما يجاري متطلبات العصر والصناعة المصرفية الحديثة، والإستثمار الهادف في تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية، وغيرها.
التوسّع الحاصل والمتواصل في حجم القطاع المصرفي العربي وبما يتجاوز التوسّع الحاصل في الاقتصاد العربي، حيث إن حجم القطاع المصرفي العربي البالغ حالياً (بمقياس الموجودات الإجمالية) أكثر من تريليون دولار أميركي بات يوازي أكثر من 120% من حجم الاقتصاد العربي، الأمر الذي يفسّر بوضوح لجوء عدد من المصارف في بعض الدول العربية إلى التوّسع بشكل سريع وملحوظ في عدة أسواق إقليمية وعالمية إستراتيجية ذات بعد إنمائي بالنسبة لأعمالها ونشاطاتها.
العالم العربي يشهد منذ عدة سنوات إتجاهاً مصرفياً محموداً، وهو قيام تحالفات وعلاقات عمل مشترك ذات أبعاد إستراتيجية بين مصارف عدة دول عربية، الأمر الذي عزّز من شبكة العلاقات المصرفية العربية عموماً وكان لذلك فوائد هامة على صعيد تنمية التبادل التجاري والإستثماري بين الدول العربية بشكل عام.
وبناءً عليه، فإن القطاع المصرفي ذاته سيشهد ازدياداً في سيولته المالية هذا العام، كما أنه سيكون أمام تحدٍ أساسي يتمثل في إدارة سيولته المالية وأيضاً سيولة المالية في الاقتصاد العربي.
المعوقات الإقتصادية:
غير أن هذا النمو الإقتصادي، وهذا النمو المصرفي، القوي مرحلياً والناتج في المدى الآني عن أحداث وتطورات مستجدة قد لا يدوم أو قد لا يتواصل بوتيرة سريعة في المدى الطويل أو الإستراتيجي، وذلك نظراً لمجموعة من المعوقات الهيكلية وغير الهيكلية المشاهدة في بنية الاقتصاد العربي، وأبرزها:
عدم إكتمال مفعول سياسات الإصلاح والتنويع الاقتصادي الذي تتبناه الدول العربية عموماً، حيث لا تزال عدة دول عربية تفرض قيوداً على تحركات أسعار الفائدة والصرف والتجارة الخارجية، كما أن عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية في الدول النفطية لم تحقق بعد النتائج المرجوة، إذ أن مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي للدول النفطية لا تقل عن الثلث، وإيرادات النفط والغاز تزيد على 60-70% من مجموع الإيرادات العامة الفعلية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال حصة الصادرات غير النفطية كنسبة من مجموع الصادرات في دول المجلس ضعيفة حيث تتراوح في أحسن الأحوال بين 15-30%. ثم إن سياسات دعم القطاع الخاص ودوره الاقتصادي لا تزال دون المستوى المنشود رغم تبنّي عدة دول عربية هذه السياسات، ويذكر هنا أن حصة المنطقة العربية من إجمالي عمليات الخصخصة العالمية (على صعيد عددها وعلى صعيد قيمتها) لا تزال دون 3%.
عدم نضج عملية إندماج الاقتصاد العربي في الاقتصاد العالمي وأسواقه التجارية والمالية، وذلك بسبب عدم إكتمال مفعول برامج الإصلاح الاقتصادي المتبناة، إذ أن الدول العربية مجتمعة لا تستقطب سوى 1% من تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى العالم و3% من ذلك الوارد إلى العالم النامي. ثم إن حصتها من إجمالي التجارة العالمية هي أقل من 3%. وهذا الأمر يحول دون إستفادة الدول العربية عموماً من الفرص التي تتيحها عملية العولمة الجامحة، هذا إلى جانب تعرضها بشكل أكبر للمخاطر التي تفرزها العولمة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية من جراء تراكض عدة دول عربية للإنضمام إلى المنظمات الدولية من دون تحقيق عمليات الإصلاح والتحرر الاقتصادي على النحو المناسب.
إستمرار ضعف التعاون الاقتصادي العربي في شتى المجالات التجارية والإستثمارية والمالية، وخير دليل على ذلك أنه بالرغم من زيادة حجم التجارة بين الدول العربية، إلاّ أن نسبتها من إجمالي التجارة الخارجية للعالم العربي لا تزال في حدود 10%، فيما حصة الإستثمارات البينية العربية من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي هي في حدود 0.7%، وهذه نسب ضئيلة بالمقاييس العالمية.
الأحداث غير المؤاتية المتواصلة في عدة دول عربية مثل العراق وفلسطين، وتواصل تعثر عملية السلام في المنطقة، وإشتداد الحرب على الإرهاب الدولي، مما يضيف مناخاً عاماً رمادياً على المنطقة العربية، ويساهم في إستنزاف الإمكانات المالية والاقتصادية لعدة دول عربية من جرّاء تواصل الأحداث الأمنية والسياسية غير المؤاتية في أكثر من إتجاه.
المعوقات المصرفية:
على الصعيد المصرفي، فإن هناك مجموعة من المعوقات والصعوبات الهيكلية وغير الهيكلية التي تعترض النمو المنشود في القطاع المصرفي العربي وأبرزها:
صغر حجم المصارف العربية، حيث إن عدد المصارف التي تزيد موجوداتها على 15 مليار دولاراً في العام 2011 بلغ 15 مصرفاً فقط، وعدد المصارف التي تزيد حقوق مساهميها على الملياري دولار بلغ 5 مصارف فقط. وهذا يعني ضعف الإمكانات التمويلية للعديد من المصارف العربية بالنسبة لتمويل المشاريع الإستثمارية والاقتصادية الكبيرة الحجم نسبياً سواء على مستوى دولها أو على مستوى المنطقة ككل.
الكثافة المصرفية والتركز المصرفي، حيث تتسم عدة أسواق مصرفية عربية بازدياد عدد المصارف بما لا يتناسب مع الطاقات الإقتصادية القائمة في تلك الأسواق، هذا في الوقت الذي تسيطر فيه قلة من المصارف الكبرى على نشاط هذه الأسواق، مما يترك عدداً غير قليل من المصارف الصغيرة والمتوسطة التي تناضل من أجل الصمود والبقاء وسط صعوبات سوقية متزايدة.
سيطرة الدولة على ملكية عدد من المصارف الكبرى في بعض الأسواق العربية، الأمر الذي يضعف من هيكل ملكية هذه المصارف وكفاءة عملها وتسببها في عدة أوقات في زيادة الضغوط المالية على حكومات الدول التي تعمل فيها.
كبر حجم محفظة القروض المتعثرة أو غير العاملة لدى العديد من المصارف في عدة دول عربية، وهي تربو على نسب تزيد عن 30% أو 40% لدى عدد لا بأس به من هذه المصارف. وهذا بلا شك أمر له مردود سلبي على تطوّر ونموّ هذه المصارف وكذلك على مستويات ومعدلات ربحيتها.
إشتداد الضغوط على المصارف العربية عموماً من أجل الإلتزام بمعايير العمل المصرفي والمالي والدولي، ولا سيّما معايير بازل الثانية التي تفرض ضغوطاً غير إعتيادية على عدد غير قليل من المصارف في المنطقة العربية من أجل ترسيخ ثقافة الحكم الجيد (Good Governance)، وتطوير سياسات وممارسات إدارة المخاطر، وتحسين الشفافية والإفصاح المالي وفق المعايير الدولية وغيرها.
دور المصارف العربية:
بالنسبة للدور الذي تقوم به المصارف العربية على الصعيدين الاقتصادي والتنموي، فإن المصارف العربية تعتبر أداة التمويل الأولى والرئيسية للاقتصادات العربية والمشاريع الاقتصادية والإستثمارية والتنموية وقطاع الشركات وحتى قطاع المستهلكين في عموم الدول العربية. والقطاع المصرفي هو أكبر وأهم القطاعات المالية على الإطلاق (بالمقارنة مع البورصات العربية أو قطاعات التأمين أو شركات وصناديق الإستثمار المشترك أو صناديق التقاعد وغيرها من القطاعات المالية)، وذلك على أصعدة الحجم والإمكانات المالية والتمويلية.
والمصارف العربية عن طريق تأسيسها مصارف أو شركات تابعة ناشطة في مجالات الصيرفة الإستثمارية والتمويل التأجيري وصناعة رأس المال المخاطر وأنشطة أسواق رأس المال على تنوعها، قد استطاعت تبني فكر الصيرفة الشاملة (Universal Banking) وتعزيز قدراتها في مجال تمويل المشاريع الاقتصادية والاستثمارية ودعم البورصات العربية
وهنا لا بد من التأكيد على أهمية الأدوار التالية للمصارف العربية:
أ- الترويج والتعريف بالفرص الإستثمارية المتاحة في الأسواق المحلية وذلك بالنسبة للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب؛
ب- توجيه جزءاً أساسي من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل المشاريع والشركات وقطاع المستهلكين وحتى القطاع العام في دولها؛
ج- تخصيص جزءاً أيضاً من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل التبادلات الإستثمارية والتجارية بين دولها؛
د- تخصيص جزءاً أيضاً من الموارد المالية المتاحة لديها لتمويل التبادلات الإستثمارية والتجارية بين دولها؛
هـ - الإستثمار، سواء بجزء من مواردها المالية الخاصة أو بموارد زبائنها، في أسواق الأوراق المالية المحلية وأيضاً الأسواق الإقليمية والدولية.
غير أن هذا الدور الاقتصادي والتنموي والمالي للمصارف العربية يبقى دون المستويات المنشودة، وهي أيضاً تواجه حالياً صعوبات جمة في توظيف فوائض السيولة لديها، وكذلك إدارة الفوائض المالية الناتجة عن الفورة النفطية المستجدة، نظراً لعدة أسباب أبرزها:
ضيق فرص الإستثمار والأعمال القائمة والمحتملة في الدول العربية في ظل الصعوبات والمعوقات التي تحدثنا عنها سابقاً.
عدم وجود أسواق كبيرة الحجم أو سوق إقليمية عربية واسعة النطاق لاستيعاب فوائض السيولة المذكورة.
ضعف حجم التعامل الاقتصادي بين الدول العربية ولا سيّما على الصعيد التجاري كما على الصعيد الإستثماري.
ضعف فرص الإستثمار المالي في البورصات العربية نظراً لضعف سيولة وعمق واتّساع هذه الأسواق وضعف الطلب على، وعرض، الأوراق المالية العربية والدولية فيها.
والخوف أن تتحول هذه الفوائض المالية المستجدة لدى المصارف والحكومات العربية إلى مصدر ضغط على معدلات التضخم في الدول العربية التي بقيت لعدة سنوات حتى الآن في حدود المستويات المعتدلة المعززة للنمو والاستقرار الاقتصادي، الأمر الذي له سلبيات عديدة، في حال حصوله، على برامج الإصلاح والتحرر الاقتصادي وأهداف هذه البرامج على كافة الأصعدة، ولا سيما على مستويات الدخل الفردي الحقيقي ومستويات المعيشة والوضع الإجتماعي ككل في عدة دول عربية.
المطلوب للمرحلة المقبلة:
لذا، فإن المطلوب خلال المرحلة المقبلة تكثيف جهود القطاعين العام والخاص في الدول العربية من أجل إرساء وتطوير مناخات إقتصادية قادرة على إستيعاب فوائض السيولة المالية الحالية، وتدعيم آفاق النمو الاقتصادي والمصرفي في المنطقة العربية، وتحسين عملية إندماج الاقتصاد العربي وقطاعه المصرفي في السوق الدولية لإقتناص الفرص الجديدة. وفي هذا المجال، يمكننا إقتراح الإجراءات والتدابير الاقتصادية والمالية والمصرفية التالية لتحقيق تلك الأهداف العريضة الإستراتيجية:
تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية في الاتجاهات التي تكفل تنويع البنية الاقتصادية في الدول العربية وتحرير النشاط الاقتصادي بشكل كامل، ودفع خطوات خصخصة القطاع العام بما يزيد الدور الاقتصادي والتنموي للقطاع الخاص فيها، وتقليل وتيرة منافسة القطاع العام للقطاع الخاص على الموارد المالية المتاحة من قبل القطاع المصرفي بالدرجة الأولى.
تحديث وعصرنة الأطر التشريعية التي تحكم مناخات الاستثمار في الدول العربية، وفي الإتجاهات التي تكفل زيادة الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى الأسواق العربية، وتشجيع القطاع الخاص على توسيع نشاطاته وأعماله سواء في الأسواق المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وكذلك زيادة الإستثمار المحفظي في البورصات العربية.
تركيز السلطات النقدية والمصرفية والعربية على تحسين إدارة برامج الإصلاح النقدي في الإتجاه الذي يستهدف تعزيز كفاءة وفاعلية السياسة النقدية وإعطاء دور أكبر ومتزايد لعوامل السوق، بحيث يتدعم أكثر إستخدام الأدوات غير المباشرة في إدارة السياسة النقدية.
إن تنشيط وتنمية حركة الإستثمار البيني وإستقطاب الإستثمار الأجنبي إلى الدول العربية، يتطلب بالضرورة:
العمل على تحقيق الإستقرار في القوانين والتشريعات الحاكمة للإستثمار المحلي والأجنبي، من أجل زيادة الطمأنينة والثقة لدى المستثمرين.
العمل على توحيد المؤسسات والجهات المعنية بقضايا الإستثمار تحت مظلة واحدة، لتبسيط إجراءات الحصول على الموافقات والترخيص وتسجيل المشاريع الإستثمارية والحدّ من تكاليف هذه الإجراءات.
تعزيز النظام القضائي وإضفاء ثقة أكبر على عمله.
تطوير وتنظيم الأجهزة الحكومية، في الإتجاه الذي يكفل وضع حدّ لمظاهر البيروقراطية والفساد الإداري.
الإستمرار في تنفيذ برامج الإصلاح المالي والإداري، في الإتجاه الذي يعزّز الإنفتاح والتحرّر الإستثماري والاقتصادي.
تكثيف الجهود العربية لتطوير وتحديث الأسواق المالية وتحسين أدائها، بغية زيادة كفاءتها في حشد الموارد وتعزيز قدراتها التنافسية في إجتذاب الإستثمارات الأجنبية، وفي توفير التمويل طويل الأجل للقطاع الخاص لتمكينه من القيام بدوره المنشود في عملية التنمية. وفي هذا الإطار، من الأهمية بمكان مواصلة السياسات الرامية إلى تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لأسواق الأوراق المالية، وخصوصاً تحديث القوانين الراهنة وإنشاء هيئات للأسواق المالية، وتحديث أنظمة التداول سعياً لإقامة أنظمة إلكترونية بالكامل، وتحديث أنظمة التسوية والحفظ المركزي عبر إيجاد مراكز إيداع محلية للأوراق المالية، وتطوير نشاط الوساطة ومواصلة عمليات الإدراج المشترك للأسهم بين الأسواق العربية، وإصدار القوانين التي تشجّع الإستثمار الأجنبي في أسواق الأوراق المالية المحلية.
إصدار قوانين مصرفية تشجع وتحفّز عمليات الدمج والتملّك بين المصارف خارج الحدود ضمن المنطقة العربية، وأيضاً ترتيب وتنفيذ تحالفات إستراتيجية بينها، بحيث يتعمق أكثر التعاون المصرفي العربي عبر الحدود ضمن المنطقة العربية، الأمر الذي بالغ الفائدة بالنسبة لدعم التعاون الاقتصادي العربي بكافة أشكاله التجارية والإستثمارية والمالية.
مواصلة وزيادة سياسات الإندماج العربي في الإقتصاد العالمي وأنظمته التجارية والمالية والمصرفية، بحيث تحرص الدول العربية على الإنضمام للمنظمات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، وأيضاً الإلتزام بمعايير العمل والمالي والمصرفي التي تضعها المرجعيات المالية الدولية، مثل مجموعة العمل المالي الدولي (FATF) ولجنة بازل وغيرها. وهذا الأمر له أهميته البالغة بالنسبة لزيادة الثقة الدولية بالقطاع المصرفي العربي، الأمر الذي يسهّل حصوله على الموارد المالية الدولية سواء إقتراضاً أو استقطاباً، كما يدعم توجه العديد من المصارف العربية للعمل في الأسواق الدولية سواء بفتح فروع لها أو مصارف تابعة لها أو إجراء تحالفات عمل مع مصارف عالمية.
تحقيق التنفيذ الفعلي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى علماً بأنه تم الإعلان عن الإنتهاء منها منذ مطلع العام الحالي، حيث لا تزال هناك إستثناءات وقيود عديدة تعترض حرية التبادل التجاري اليسر بين الدول العربية حسب المفهوم الحقيقي لهذه المنطقة. ومن الأهمية بمكان البناء على هذه المنطقة من أجل إقامة إتحاد جمركي عربي، ومن ثم السوق العربية المشتركة التي تعتبر الإمتداد الطبيعي للتعاون الإقتصادي العربي الحقيقي، والذي يحوّل الوطن العربي إلى سوق إقتصادية واسعة النطاق تتدفق فيها السلع والخدمات والأموال والأشخاص بكل حرية ويسر، الأمر الذي يحفّز المصارف العربية على تمويل كافة أشكال التدفقات الاقتصادية هذه وتمويل مشاريع التنمية والاستثمار الإقليمية على نحو أفضل.
العمل على توثيق عرى التعاون بين المصارف العربية وصناديق الإنماء العربي المتخصصة في تقديم التمويل المتوسط والطويل الأجل، وذلك من خلال تبني أساليب التمويل المشترك للمشروعات التنموية في الوطن العربي. ويمكن في هذا الصدد أن تقوم صناديق الإنماء العربي الإقليمية منها والوطنية بإصدار سندات دين لتمويل مشروعات في الدول العربية تساهم فيها المصارف العربية من خلال الإكتتاب في هذه الإصدارات من جهة وترويجها للمستثمرين من عملائها من جهة أخرى. وهذا الأمر من شأنه فتح آفاق تمويلية رحبة وخلق أدوات مالية تتمتع بدرجة عالية من الأمان.
قيام المصارف المركزية العربية بتسنيد (توريق) أدوات التمويل التجاري المرتبطة بالتبادل التجاري العربي، وتسهيل قابلية تداولها في أسواق رأس المال وإستعداد المصارف المركزية لإعادة خصمها للمصارف التجارية.
إيجاد صيغة جديدة من شأنها تفعيل الدور المشترك بين المصارف العربية والبرامج الإنمائية مثل برنامج تمويل التجارة العربية التابع لصندوق النقد العربي وكذلك البرامج المماثلة التي يوفرها البنك الإسلامي للتنمية لتوسيع نطاق التبادل التجاري بين البلدان العربية. إذ من الملاحظ أن كثيراً من المصارف التجارية العربية لم تقم بالدور المأمول في هذا المجال سواء من حيث إستغلال التمويل المتاح من خلالها أو الترويج والتعريف بها لدى عملائها.
د. محمد كمال أبو عمشة
المستشار المالي والإستثماري في أسواق المال العربية