تحليل لمشكلة نقص السيولة في أسواق المال بدول مجلس التعاون الخليجي
د. محمد كمال ابو عمشة
الخبير في أسواق المال الخليجية
تكملة الدراسة / الجزء الثاني
د. محمد كمال ابو عمشة
الخبير في أسواق المال الخليجية
تكملة الدراسة / الجزء الثاني
دعا الكاتب والخبير في أسواق المال الخليجية في المقال السابق ..إلى إطلاق سلسلة من الخطوات الهادفة لضخ سيولة جديدة في شرايين البورصات الخليجية بهدف إنعاش التداولات بالأسواق....وبين ان هناك أسباب تقف وراء الانخفاض الحاد في مؤشرات البورصات وأحجام التداول....
أزمة ضعف السيولة:
ويرى الكاتب إن البورصات الخليجية تعاني في الفترة الحالية من أزمة ضعف السيولة داخل الأسواق رغم توافرها خارجيا انعكس ذلك على حركة أسعار الأسهم، ما أدى إلى تكبد شرائح عديدة من المستثمرين وكذلك شركات وساطة لخسائر الفترة الماضية.
ويشير الكاتب إلى أن البورصات الخليجية في أشد الحاجة في الفترة الحالية لظهور أنباء إيجابية قوية جديدة تدعم أداء الأسواق، ويعتبر الكاتب أن استعادة الثقة بالأسواق تحتاج إلي بذل كثير من الجهد للقائمين على البورصات، ويبدي الكاتب دهشته من هذا السلوك من المستثمرين ومن صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية التي قلصت نشاطها كثيرا بالأسواق رغم أن الأسعار الحالية تعد جاذبة وفرصا ذهبية للشراء، ويشير إلى ان الفترة الحالية ربما تكون فترة جيدة لتجميع الأسهم وإعادة بناء المراكز المالية للمحافظ الاستثمارية في ظل الهبوط الحاد في الأسعار، لكن يعيبها في ذات الوقت الضعف الحاد في سيولة الأسهم وهو ما يجعل أي عمليات تجميع للأسهم قد تحتاج شهورا طويلة. ويؤكد الكاتب على أن البورصات تعد من أفضل وسيلة للاستثمار على المدى الطويل خاصة في الظروف الحالية التي انخفضت فيها أسعار الأسهم,، سواء الكبرى والقائدة أو حتى أسهم المضاربات والأسهم الصغيرة والمتوسطة.
نطاقات سعرية ضيقة:
ويرجع الكاتب أسباب تراجع السيولة داخل قاعات التداول رغم اليقين بتوافرها خارج الأسواق إلى حالة الترقب التي يعيشها المستثمرون وحرصهم على الاحتفاظ بجزء من السيولة لانتهاز الفرص المناسبة وللإدراجات المقبلة. ويعتبر أن ما شهدته الأسواق خلال الأسابيع الماضية من تراجع طفيف يعكس رغبة المستثمرين في الاحتفاظ بالسيولة لاقتناص أي فرصة استثمارية جديدة ومجدية، خصوصا ان أسعار الأسهم تتحرك في نطاقات سعرية ضيقة جدا ولا يوجد خوف من تراجع كبير في الأسعار، بل إن الجميع يتوقع ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة وهو ما يجعلهم يعزفون عن عمليات البيع في الوقت الراهن، وفي ظل الأسعار المتدنية للأسهم التي تعكس النتائج المالية الممتازة للشركات ومستويات نموها القوية.
ولو عدنا إلى توجهات السيولة في البورصات العربية على وجه العموم والبورصات الخليجية على وجه الخصوص سنجد أن العامل المشترك كان هو انخفاض السيولة الشهر الماضي وبداية الشهر الحالي بشكل لافت إلى النظر وخاصة أن التراجع الحاد في قيم وأحجام التداول لم تشهده البورصات العربية من سنوات وحتى وقت الأزمة وما أعقبها.
فإن خروج السيولة من الأسواق وخاصة الأجنبية هو الأثر المباشر على بورصات الخليجية من جراء أزمة الديون السيادية التي ضربت دول الاتحاد الأوروبي ما خلق الخوف لدى المستثمرين من ضخ سيولة جديدة بأسواق المال، بل ان هناك الكثير من المستثمرين فضلوا سحب استثماراتهم في أسواق المال والبحث عن قنوات استثمارية جديدة، وكان لهذا التصرف أثر كبير على أسواق المنطقة فشهدت تراجعا واضحا في التداولات بعد أن اتجهت المحافظ الأجنبية نحو البيع.
انتهاز الفرص:
ونظرا لأهمية السيولة للبورصات التي تعتبر العصب الأساسي لها استطلع الكاتب آراء بعض الخبراء والمهتمين بأسواق المال للوقوف على أسباب تراجع السيولة وما مدى تأثيرها على الأسواق؟.
في هذا الصدد يرى الكاتب إن الأسواق المالية تتأثر جزئياً بالوضع العالمي في ظل المخاوف من تصاعد أزمات المديونية السيادية الأوروبية والأمريكية واحتمالات عودة الركود الاقتصادي وهذه العوامل تؤثر سلباً على نفسية المستثمرين لكن ذلك لا يمنع إمكانية إعطاء محفزات للأسواق المحلية من خلال تنوع المنتجات الاستثمارية ما يؤدي إلى استقطاب سيولة كبيرة نحوها ويحرك بالتالي النشاط في الأسواق خصوصاً وأن العديد من هذه الشركات تشكل فرصاً مجزية للاستثمار.
جمود أسواق الأسهم
ويرى الكاتب إن جمود أسواق الأسهم المحلية وحركة المؤشرات العرضية يرجع إلى ضعف التداولات نتيجة لنقص السيولة ولا يرتبط بأداء الشركات، مؤكداً أن السيولة متوفرة لدى الأفراد وفي البنوك لكنها لا تجد طريقها إلى الأسواق لأن المستثمرين يبحثون عن جهة تقود التداولات وقد كان لدينا في السابق كبار المستثمرين ثم المستثمرون الخليجيون والمستثمرون الأجانب يقومون بهذا الدور واستمر الاستثمار الأجنبي بالتداول بعد تفجر الأزمة العالمية لأن حجم التداولات كان يتيح تحقيق أرباح ونتيجة لتراجع الحجم اليومي للأسهم المتداولة بدأ يحجم عن الدخول إلى الأسواق. وطالب بأن يتم ضخ السيولة في الأسواق من خلال محافظ حكومية أو شبه حكومية ولو بمبالغ عادية ستدفع الجميع إلى الدخول النشط وسنجد حجم التداولات يرتفع بسرعة ما يحفز دخول السيولة من كافة المصادر الداخلية والخارجية.
ويضيف الكاتب إلى أنه من الضروري العمل على تحريك الاستثمار المؤسسي من خلال دخول صناديق استثمارية للقيام بدور صانع سوق وهو ما لوحظ مؤخر من قيام محافظ محلية بعمل نوع من التوازن في الأسواق بعد قيام المحافظ الأجنبية بعمليات بيع الفترة الماضية.
وضع الاقتصاد العالمي
من جانب آخر يرى الكاتب ان وضع الاقتصاد العالمي وحالة القلق من أزمة الديون السيادية الأوروبية، بالإضافة الى الاضطرابات السياسية ببعض دول المنطقة، كل ذلك ألقى بظلاله على التداولات داخل أسواق المال، حيث فضل كثير من المستثمرين البقاء خارج الأسواق في الفترة الحالية لانتظار إشارات ايجابية ومحفزات تعيدهم إلى قاعات التداول مرة أخرى، وأشار إلى أن الخيار الأمثل أمام السلطات المعنية بأسواق الأسهم المحلية هو أن تنتظر لترى ما يمكن أن تسفر عنه الأوضاع العالمية. وقال إن الوضع العالمي يبدو صعباً في الوقت الحاضر بما لا يتيح الكثير مما يمكن القيام به في الوقت الحاضر لإنعاش أداء الأسواق، ويرى أن البقاء عند أحجام التداول الحالية لا يمكن أن ينهي حالة التراجع الراهنة، مشدداً على ضرورة دخول محافظ والصناديق استثمارية محلية لتدفع عجلة الحركة في أسواق الأسهم المحلية.
ويؤكد الكاتب على ضرورة حدوث تغييرات تعمل على ضخ سيولة من جديد بالأسواق فالفترة القادمة، مشيرا إلى أن هذا يستلزم توجيه رسائل تطمينية مع صياغة مناخ استثماري طبيعي بالبورصات وتشديد الرقابة قدر الإمكان مع حماية التداولات من اي مخاطر، بالإضافة إلى العمل على الترويج للبورصات على كافة الصُعُد والمستويات.
ويضيف الكاتب انه يمكن إنعاش أسواق الأسهم عن طريق دخول أدوات وأوعية استثمارية جديدة سواء من خلال إدراج شركات جديدة أو من خلال إدخال منتجات استثمارية السندات والصكوك والمشتقات المالية الأخرى، بالإضافة إلى تفعيل إستراتيجية لتطوير أسواق المال الأولية (الاكتتابات) والإسراع في إنشاء سوق رأس المال الثانوية (بورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة)، ومن الوسائل الأخرى التي يمكن أن ترفع من كفاءة التداول تشجيع الاكتتابات للشركات الصغيرة وتحويلها إلى مساهمة عامة وهو ما يمكن أن يزيد من عمق الأسواق.
الوقت غير مناسب
إلا أننا نرى أن الوقت الآن ربما لا يكون مناسباً لهذه الخطوة أو تشجيع إدراج شركات جديدة حيث يتوقع أن يؤثر طرح هذه الشركات في الوقت الحاضر على قيم الإدراج. وأوضح أن تحسن أداء الشركات المساهمة يجعل الأسعار الحالية للأسهم فرصاً مجزية للاستثمار.
ويمكننا القول هنا "لضمان انتعاش الأسواق لابد من أولاً ضمان توفير السيولة الكافية للمستثمرين من قبل البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الدولة فضلاً عن ذلك لا بد من وجود صانع سوق يسهم في تحريك عجلة التداولات وبشكل يسهم في إعادة المستثمرين مجدداً لأسواق الأسهم المحلية خصوصاً بعدما كان البعض منهم قد غادر السوق بسبب ردة الفعل على الأزمة والتي تسبب في خسائر فادحة لهم".
ويشير الكاتب إلى ضرورة توعية المستثمرين كباراً وصغاراً بفك الترابط بين ما يحدث في الأسواق العالمية وحركاتهم في الأسواق المحلي نظرا للفارق الكبير في طبيعة الاقتصاديات الأوروبية واقتصاديات دول الخليج التي تستند إلى قاعدة مالية صلبة وتزايد إنفاقها على مشاريع البنى التحتية والتي مكنتها من مواجهة التحديات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية عبر مواصلة اقتصاد دول الخليج النمو.
أسباب التراجع
من جانبه يشير الكاتب إلى أن تراجع السيولة يعكس حالة الترقب التي تنتاب المستثمرين في هذه الأوقات وخاصة وأن العام الحالي على وشك الانتهاء واقتراب موسم إعلان نتائج الشركات المالية وما يتبعها من توزيعات نقدية بالإضافة إلى أن المستثمرين يتطلعون إلى اتجاهات الأسواق العالمية ومن ثم يبنون عليها قراراتهم الاستثمارية.
ونلفت النظر هنا إلى أن أحجام السيولة الحالة في الأسواق تعد منطقية في ظل الظروف الحالية وخاصة لو طرحنا منها المشتريات والمبيعات في نفس الجلسة وأشير إلى أن ارتفاع السيولة في الفترات الماضية كان يرجع إلى تزايد عمليات المضاربة التي أفرغت السوق من رسالته الحقيقة.
ويشير الكاتب إلى انه من أسباب تراجع السيولة داخل البورصات عدم وجدود منتجات استثمارية جديدة سواء أسهم أو سندات أو صكوك والتي من المؤكد أن وجودها سوف يعمل على زيادة القاعدة الاستثمارية لدى المستثمرين واتساع الفرص أمامه. وهذا بكل تأكيد سيعمل على جذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع البورصة. وهذا سيعزز من الزخم الشرائي داخل الأسواق.
الخاتمة:
- تعزيز التداولات يدعم فرص انضمام البورصات الخليجية للأسواق الناشئة.
- ضرورة وجود صانع سوق وتحريك الاستثمار المؤسسي.
- ضعف التداولات وجمود الأسواق يرجع لنقص السيولة.
- تقلبات الأوضاع العالمية والعربية ألقى بظلاله على التداولات.