• ×
الثلاثاء 29 شعبان 1444 | 1444-06-23
صحيفة نشر

لما الحزن والسعادة بين راحتينا

صحيفة نشر

 0  0  6264
صحيفة نشر

بعثت لي صديقة -عن طريق الوتس أب - بمقالة بعنوان : ( حزن زهير ) ، وطلبت إبداء الرأي حولها .. وهي من المقالات المطولة التي اعتاد كاتبنا الكبير / د. زهير جميل كتبي الاسترسال فيها والفضفضة للقارئ على ما بداخله من مخزون نفسي وفكري وثقافي واجتماعي لتخرج لنا في قالب إبداعي يثير الجدل بين مؤيد ومعارض لفكره .. مع ان أسلوبه يعتمد على المصداقية والشفافية بصورة كبيرة -وأحيانًُ -الصراحة الاستفزازية للآخرين.. فالغول لا يعترف عادة ببشاعة وجهه ولا يعرف بان عينيه حمراء .. ولكن مقالته هذه لم تكن ضد أي شيء أو أي شخص وإنما تعبير عما بنفسه من خلجات ومشاعر نتيجة أحداث وارهاصات متعددة أثرت وتؤثر في حياته . .. وإن كنت اتفق معه في بعض الأمور إلا أنني أختلف معه في أمور أخرى كثيرة ..
ومقالة الكتبي : ( حزن زهير ) تثير ألم القارئ لمشاركته الوجدانية معه .. ومعايشته لتجاربه بكل أبعادها.. فهو إنسان يعتصره الألم منذ ولادته ومنذ صرخته الأولى في الحياة والى الآن ... ! وأن الحياة في نظره ليست إلا طريقاً إلى عالم الآخرة ممتلأ بأحزان متنوعة .. وأن حزنه جعله دائم البكاء .. ، والمدعى عليهم في القضية هم : ( الحياة والسلطة والمجتمع والأصدقاء والأهل.. ) وجميع هؤلاء أسهموا في نمو سقف حزنه حيث لم يفهموه وضيقوا عليه حياته فأحاطه الحزن من كل جهاته . وأن هذا الحزن ينمو ويكبر بداخله في كل لحظة . ولم يكتف بذلك بل جسد الحزن بكيان إنسان والقى عيه صفات تعبيرية طاغية و أخذ يصفه بصفات متنوعة منها: ( إنه حزن يستحي من أحزان الآخرين ويبكي من أجلهم .. وأنه حزن بائس .. حزن كريم وشهم .. وحزن اخترق كل حصون الألم .. ) كما جسد الحزن في شخصيته وجعله قوة مؤثرة على حياته خاصة معاناته في زنزانته ... مع ذلك الصرصور .. الذي شعر أنه يرافقه في زنزانته ويكتب عنه تقارير يومية .. !! عبارات إبداعيه تجسد المعاناة والألم النفسي الذي يعيشه الكاتب لأسباب متنوعة .. ومع ذلك فهو مرتبطاً بدينه وعقيدته وهو الإنسان المكي الغيور على مكة وأهلها من أن يشاكوا بشوكة أو أن يُرموا بسهم .. واستشهد بعدة آيات قرآنية عن الحزن منها الآية الكريمة في قوله تعالى : { قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } يوسف الآية 86 .
وكم كنت أتمنى أن تكون هذه الآية هي خاتمة مقالته لتهدئة نفسه الحزينة الخائفة ..فالشكوى لله تخترق عنان السماء لتصل إلى الخالق القادر على إزالة الهم والحزن .. ولكنه للأسف استرسل في وصف أحزانه وآلامه ( فحتى وسادته وكل ريشة فيها وكل شعره أو قطعة قطن تحمل نوعاً من الحزن ) ... والكتابة هنا لم تكن سوى تنفيس عما يغلي بداخله من ضغوط حتى أنه شبه الحزن ( بإنسان وولاءه كان لزهير ) .
بل ختم مقاله بعبارات تشاؤميه تثير تعاطف القارئ معه وهي : ( أن اليأس يرزح بثقله على حياتي ) وتحدث إلى الحزن وشخصنه قائلاً : ( لا تقتلني وأنا نائم .. بل أريد أن أموت وأنا واقف.. ) عبارات تدل على الكبرياء وعزة النفس وأنه لن يخضع لأي كائن من كان ... ولا للألم النفسي .. ثم أسترسل في الحديث عن موته فطلب: ( تعليق لوحة على جدار داره ليكتب عليها : (هنا سكن الذي قهره الحزن ) .. في استدراج كبير لمشاركة القارئ الوجدانية لأحزانه فقد لامست كلماته أوتار المشاعر وعزفت سيمفونية الألم قصيدة الحزن . بل أسدل الحزن ستاره على القارئ ولفه بألم المعاناة التي عاشها الكاتب حينما أوصى أن يكتب على قبره بجنة المعلاة : " هنا مات الحزن ودفن .. هنا يرقد آخر طفل في التاريخ معجون بوجع وحب مكة المكرمة ". بل وصل الى قمة الاستدراج لحزن القارئ حين ختم مقالته بقوله : " ألا موت يباع فأشتريه " فيتمنى الموت على العيش في حياة حزينة ..
وهنا أقف لأختلف مع الكاتب في وصف مشاعر الحزن وتملكها له في حياته وسريان الحزن في نفسه الى هذه الدرجة التي يتمنى فيها الموت ... فأعتقد انه بالغ بها الى حد كبير . فبالرغم من الصعوبات التي نواجهها في حياتنا ومشاعر الألم والقهر والعذاب ... إلا أن هناك دائما فسحة من الأمل والسعادة فكما قال تعالى في سورة الانشراح : (... فإن مع ا لعسر يسرا إن مع العسر يسرى...) كُررت مرتين لتبين انه مهما وقع للإنسان من عسر وضيق وتضييق ألا ان فرج الله أتي لا محالة ... لابد أن تطرق أبوابنا بشائر الفرح فهذه سنة الله في خلقه ؛ فليس للفرح معنى اذا لم يسبقه حزن ... وأبواب الفرح كثيرة : فالنجاح في الدراسة والوصول الى مركز علمي مرموق سعادة.. وإكمال نصف الدين سعادة .. وإنجاب الأبناء والبنات سعادة فهم زينة الحياة الدنيا .... والمال الحلال سعادة .. والسكن في مكة خاصة سعادة ... والأمن في الوطن سعادة .. وسجودك للرحمن تهمس له تناجيه آناء الليل وأطراف النهار سعادة ... كثيرة هي الأشياء التي تمنحنا الحب والأمل والتفاؤل وأولها تعلقنا بالخالق الكريم وإيماننا بقضائه وقدره التي تشعرنا بالرضا ، والقبول ، والاطمئنان ، وأن ما أصابك لم يكن لخطأك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك... وأن المؤمن مبتلى في هذه الدنيا ، والابتلاء يفرح به الصالحين لأنه يقربهم من الخالق العظيم ، وانه على قدر الصبر و التفاؤل يكون إحساسنا بالحياة .. فقد قال ابن تيمية -رحمه الله -حين سجنه أعداؤه : " ما يصنع بي أعدائي ؛ فسجني خلوة ، ونفي سياحة ، وقتلي شهادة .. " . نظرية رائعة لكل من تفترسه مشكلات الحياة وتلتهم جزء من حياته ... وهذا هو التحدي الكبير لنا .. لأنها من قدر الله وقضاؤه ولأننا الأمة المحمدية فلابد ان نجعل الحمد لله رب العالمين نبراسا لحياتنا .


فاتن ابراهيم محمد حسين

بواسطة : صحيفة نشر
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 01:11 صباحاً الثلاثاء 29 شعبان 1444.

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة نشر الالكترونية © 2021