تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً مقطعي الفيديو على اليوتيوب لطلاب مدرسة ( طليب بن عمر الابتدائية بالرياض ) أحدهما يظهر الطلاب وهم يمزقون كتبهم في آخر يوم دراسي وهو يوم الخميس 16/7/1435هـ والمقطع الآخر وهم يحطمون نوافذ وأثاث فصولهم الدراسية في مشهد أقل ما يمكن وصفه بأنه استهتار وجهل بالقيم الأخلاقية ... فإذا كان هؤلاء الطلاب في المرحلة الابتدائية وسلوكياتهم بهذا العنف والتمرد والازدراء ضد العلم والثقافة .. وهو السن الذي يفترض أن يكون الطالب في مرحلة الطفولة ... فكيف حينما يصل هؤلاء إلى مرحلة المراهقة ؟!
وفي الحقيقة ان ظاهرة تمزيق الكتب لم تكن وليدة اللحظة بل ظهرت منذ أكثر من عقدٍ من الزمان و قد شعرت بهذه المشكلة ، وقدمت مشروعاً لإدارة الإشراف التربوي للبنات بمكة المكرمة لرفعه لمقام الوزارة ، ووضعت له رؤية وأهداف وإجراءات تنفيذية تقوم على إجراء مسابقة بين الطالبات ووجوائز تقدم لمن تسلم كتبها في نهاية الفصل الدراسي وهي بحالة جيدة من خلال توعية الطالبات بأهمية المحافظة على الكتب واحترامها والاستفادة منها في مجالات متنوعة ومن ثم على الجهات المختصة الإستفادة منها إما بتدويرها أو بإرسالها للدول الإسلامية الفقيرة وخاصة كتب الدين واللغة العربية ... ولكن للأسف لم يلق المشروع آذاناً صاغية من المسؤولين وقيل لي: " لا داعي لمثل هذا المشروع "... وها هي الأيام تثبت أهمية ما طرح قبل أكثر من عشرة أعوام وتنطلق -الآن - حملة ( احترامي لكتابي ) في منطقة الطائف لتوعية الطلاب والطالبات بأهمية الكتاب ... وهكذا نحن دائماً لا نتحرك إلا حينما نصل إلى مرحلة متقدمة من المشكلة ولا يعالج الخطأ في مهده !!.
أعتقد أن الإشكالية الكبرى أيضاً- في تلك السلوكيات تكمن في تخلي الأسرة أولاً عن بعض مسئولياتها التربوية والإرشادية ؛ فاحترام الكتاب كمصدر للثقافة وللعلم .. تكاد تكون معدومة للأسف في مجتمعنا وكذلك هناك خلل في التوجيه لمقومات تربوية أساسيه ومنها المحافظة على الممتلكات العامة واحترام المكتسبات الوطنية ، وتشترك المدرسة مع الأسرة في هذا الدور التربوي .
والغريب في المشهد عند تحليله نجد أنه :لم يكن هناك أي معلم أو شخص راشد يمنع هذه السلوكيات الخاطئة وحينما وصلت سيارة بها شخص ما تراجع الطلاب للخلف وتخفى بعضهم عن النظر مما يدل على إدراك أن ما يقومون به خطأ فادح .. ولكن للأسف فحتى ذلك الشخص - وإن كان يبدو أنه ولي أمر أحد الطلاب- فلم يحرك ساكناً بل ربما خاف على نفسه من بطش الطلاب !!
وقد يقول قائل : ولكن ما هي الدوافع الأساسية لهذه السلوكيات هل هو كره المدرسة .. هل هو انتقام من المدير والمعلمين لفرض أنظمة وتعليمات لم تقنع عقولهم الصغيرة ؟؟ طبعاً مهما كانت المبررات فهي لا تلغي بشاعة المشهد والسلوك . فلو كانت هناك دوافع من هذا القبيل ؛ فهناك إدارة مدرسية وهناك مرشد طلابي وهناك توجيه نفسي في كل مدرسة وكان من الأجدر المرور بهذه المراحل وعدم الوصول إلى مثل تلك السلوكيات .. التي تشعرنا بأننا أقل ما نوصف به بالهمجية والتخلف ..
أعتقد أن كل ما في الأمر أننا تهاونا جداً في تربية الجيل فحتى لائحة الانضباط السلوكي لم نستطع تطبيقها كما ينبغي، بل لم يعطي مدير المدرسة الصلاحيات لتنفيذ بعض الأحكام فيها ولابد من الرفع لمقام الوزارة أيضاً واستئذانهم !! وكثيراً للأسف ما تتدخل الواسطات في الموضوع وتلغى العقوبة عن الطالب !! وكما قيل : ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) وها هم بعض الطلاب يتمادون على كل شيء وعلى كل شخص ولم يسلم المعلم ومدير المدرسة من بطشهم في حين كانت التربية في الزمن الماضي تقوم على احترام العلم والعلماء فالمعلم إذا سلك طريقاً سلك الطالب طريقاً غيره احتراماً وتقديراً ...لكن حينما ألغيت قوانين العقوبات ولم يصبح للمعلم أي صلاحية في تأديب الطالب .. فأصبح معلماً فقط وليس مربياً ، بل ربما تقع عليه عقوبات جمة إذا حاول إصلاح مفسد - والده طاغية - في حين كان الوالد في الزمن القديم يأتي لمدير المدرسة ويقول له: ( لنا العظم ولكم اللحم ) في إشارة واضحة بالسماح للمعلم بتقويم سلوكيات الطالب وتأديبه.. ولكننا لا نريد الوصول إلى هذه الدرجة من العقوبة لأن مفهوم التربية قد تغير والانضباط يكون بالتوجيه والارشاد أولاً ثم في حالة الخطأ إيقاع العقوبة الملائمة وإنفاذها .
واتذكر موقفاً أخر مؤلماً مر بي سابقاً حينما كنت في زيارة إشرافية صفية لإحدى المعلمات في إحدى المدارس المتوسطة - والمنشأة حديثاً جداً ومجهزة بأفضل التجهيزات المدرسية - وإذا بمقاعد الطالبات قد شوهت بالكتابة والرسم عليها وقد تمالكت نفسي وصبرت حتى انهت المعلمة الدرس .. فقد كانت في القلب غصة وحرقة على هذا التدنيس لصرح علمي لم تستشعر الطالبات حجم الأموال التي صرفت عليه ... ولم يشعرن بأن وطنيتهن تحتم عليهن المحافظة عليه .. وفرت من العين دمعة وأنا أعتب على بناتي الطالبات على هذا الخرق السلوكي للمبادئ الأخلاقية فشعروا بعظم الجرم وتعلموا أن الوطنية مبدأ يترجم في سلوكيات الإنسان نحو وطنه في كل مكان وزمان. بل كان عتبي على معلمة الفصل أكبر لعدم توجيهها لسلوك الطالبات وكذلك لمديرة المدرسة التي يفترض أن تقوم بجولات يومية على الفصول وتفقد أوضاعها وسلوكيات طالبتها ...
أعتقد انه آن الأوان يا سمو وزير التربية والتعليم ... - وأنت راعي للشباب منذ أمد بعيد - أن نقوم إعوجاج هذا الجيل بالتوجيه أولاً من خلال برامج وأنشطة.. ثم بقوانين وأنظمة وتعليمات دقيقة يعيها طلبة العلم جيداً : فللعلم قدسيته وللمدرسة وللمعلم مكانتهما وهيبتهما .. وإلا فسيأتي يوم نعض فيه أصابع الندم على ما فرطنا في تربية هذا الجيل .
فاتن إبراهيم محمد حسين
تحياتي