• ×
الإثنين 28 شعبان 1444 | 1444-06-23
محمد بن صالح الجارالله

جهاديون أم إرهابيون

محمد بن صالح الجارالله

 0  0  5383
محمد بن صالح الجارالله
لعل من أسباب ظهور ظاهرة الجهاديين - الإرهابيين كما يطلق عليهم - في المجتمعات هو عدم إرساء العدل في المجتمع، ورفض الحكومات للإصلاح السلمي الذي ينادي به المصلحين، والصمت العربي والإسلامي غير المبرر عن الاستفزاز الغربي لشريعة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، كما ينظر إليه المجتمع المسلم، وما يحتج به هؤلاء الجهاديين - الإرهابيين - إما يكون الإستفزاز على مستوى فردي أو جماعي، كما أن الصمت الغربي عما تفعله اسرائيل في الفلسطينيين وأراض فلسطين من ظلم وقمع لكل ماهو فلسطيني، والدعم العلني لما تقوم به اسرائيل من احتلال وقمع أصحاب الأرض، حتى أنه لا تدان اسرائيل في الأمم المتحدة ولا في جمعياتها، ايضا الجماعات الجهادية تميل إلى التحدي الغربي حينما يستخدم كل قدراته وطاقاته العسكرية لمواجهتها، ويبتز الدول ذات الإقتصاد القوي من الدول الإسلامية ماليًا من أجل مكافحة جماعة جهادية، وفي ذات الوقت لا يطلق على الجماعات والتيارات غير الإسلامية صفة الإرهاب، ولا تقاوم وتضرب عسكريًا، مثل المنظمات الشيعية في لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن، وإيران، ويهمل الغربيون - خاصة أمريكا ومن يدور في فلكها - إرهاب إسرائيل وقمعها للشعب الفلسطيني، بمعنى أنها تكيل بمكيالين لا انصاف فيها، وهؤلاء الجهاديون يضعون أنفسهم وفكرهم ورؤاهم أمام تحدي نفسي للغرب، الذي يجيش قواه عالميًا، وهذا يساعدهم في إستمالة الشباب المتحمس الكاره للغرب للالتحاق بمنظماتهم، والإنخراط في العمل الجهادي، كل ماسبق يعتبر من أسباب وجود تلك المنظمات والتيارات الجهادية والتي يطلق عليها بالجماعات أو التيارات الإرهابية.
لا ينكر أحد أن بعض الدول من المجتمع الدولي هي السبب الحقيقي في وجود ظاهرة الإرهاب أو مايطلق عليها الجهاديين، التسمية تختلف من مكان أو دول أو أنظمة بحسب الضرر الواقع عليها، أو بحسب عداوتها لها، ويمكنني القول أن الجهاديين أحدثوا انقلابًا في موازين كثيرة، ورؤى متعددة في المجتمعات والدول نتيجة ماأحدثته مايمكن تسميتها بالظاهرة الجهادية، وفي ذات الوقت أوجدت مسارًا لايمكن اغفاله في النواحي النفسية وربما ايضا الاجتماعية، هذه الظاهرة فرضت على المجتمع الدولي أولويات جعلته يتخبط حينًا ويقاوم حينًا آخر، ومايمكن تسميتهم بالجهاديين وبعض يسميهم بالارهابيين - حسب ضرره منهم - يعتبرون خطرًا ليس على نظام معين أو دولة معينة أو مجتمع أو طائفة معينة، بل هي خطرٌ على المجتمع الدولي برمته، فهم يتمسحون بالإسلام وهم بعيدين عن تعاليمه السمحة.
يحتج الجهاديون بمجموعة من النصوص التي تحث على الجهاد في سبيل الله وفي ذلك هم أحرجوا علماء الدين السلفيين، الذين حاولوا التقليل من شأن المنظمات الجهادية السنية على وجه الخصوص، بالرغم من عدم قدرتهم على إنكار النصوص الشرعية، لكنهم ينكرون تصرفات الجهاديين عمومًا، وربما تصارعوا على رأيهم فيهم فبعضهم مؤيد وبعض آخر لا يؤيد وطرف ثالث مابين مؤيد ومنكر في العلن، والجهاديين لهم خطط ينفذونها على مراحل كما أن لديهم رؤية يتحركون من خلالها لتنفيذ مشروعهم، وهم بذلك لايقولون كلامًا مرسلًا بل يؤصلون لمشروعهم الجهادي من الناحية الشرعية - النصوص - وتاريخيًا وفلسفيًا.
على مدار عقدين من الزمن يمكنني القول أن التيارات أو المنظمات الجهادية امتلكت قدرة كبيرة لتوسعهها فكريًا، وإمكانيات في محافظتها على بقائها، بالرغم من أن هناك عداء ضدها، وربما نقول اتحد المجتمع الدولي ضدها بغية القضاء عليها وقتل نموها في مهده، ولكن المجتمع الدولي فشل فشلًا ذريعًا في ذلك، فكل ماتم القضاء على منظمة جهادية أو تيار جهادي خرجت منظمات وتيارات أكثر، وأسباب ذلك كثيرة وتطرقنا في بداية المقال إليها.
تتبنى أغلب المنظمات الجهادية أو التيارات الجهادية - الإرهابيون - مبادىء وقيم يعتبرونها من صميم الدين الإسلامي، وهم بهذا يواجهون كل التيارات المخالفة لهذا الدين - علمانيون وليبراليون وغيرهم - أي أنهم يرون صدام بين الإسلام وبقية الحضارات الأخرى في العالم أجمع، وهم لا يكتفون بتدوين اطروحاتهم في كتبٍ أو مقالاتٍ تنشرعلى الشبكة العنكبوتية، بل يترجمون ذلك عمليًا في مواجهاتهم العسكرية، وهم يعتقدون أن من ضمن مسؤولياتهم تجاه الإسلام ليس في نشره بين افراد المجتمع الدولي بل يتعدى ذلك إلى عالمية الإسلام في المجتمع الانساني كله وفي جميع أنحاء المعمورة، وأن جميع البشرية لابد أن تخضع لهذا الدين الحنيف وإلا فهي عدوة ومنكرة للإسلام ويجب إعادتهم إلى جادة الصواب بحسب مايعتقدون.
من يعتقد أن ما أطرحه هنا هو من باب التأييد أو التشجيع للمنظمات الجهادية أو التيارات الجهادية أو كما يطلق عليهم إعلاميًا - الإرهابيين - لا يعتبر منصفًا، ولا محايدًا إنما ما أطرحه هو من زاوية الرصد والتتبع للمتغيرات التي تحدث في المجتمع، والتي يجب معالجتها فكريًا وليس بأي طريقة غيرها، ربما أغلب المثقفين لا يلقون بالًا لمثل هذه الظواهر من زاوية الاستنكار والاستخفاف بهؤلاء الجهاديين وتصويرهم أنهم ثلة خارجة عن القانون ويجب محاسبتهم وقمعهم عسكريًا، وهذا منطق لا يستقيم مع فكر ورؤى المنظمات الجهادية، فالجهاديين لهم فكرهم ويجب عدم إغفال ذلك، والفكر لا يحارب إلا بالفكر، فالسلاح لا يهدم فكرًا بل يقتل أفرادًا.

 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:55 مساءً الإثنين 28 شعبان 1444.

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة نشر الالكترونية © 2021