ياصباح الشبيحة
في دبي قررت أن أسلم ذقني لحلاق من سورية الشقيقة، كان أول شيء لفت نظري في محله الأنيق أن شاشة التلفزيون مثبتة على قناة (دنيا) التي تعتبر الناطق الرسمي باسم (الشبيحة)، قلت لنفسي إن هذا الحلاق قد يكون متعاطفا مع أفعال الشبيحة (وهذه مصيبة) أو أنه يخشاهم ويشتري سلامته بإظهار ولائه لهم من خلال إظهار متابعته لهذه القناة الكاذبة (وهذه مصيبة أعظم؛ لأن أحرار سورية لم يخافوا رصاص الأمن، وهو يتجه إلى صدورهم فلماذا يخاف هذا الحلاق وهو يبعد مئات الكيلومترات عن سورية ؟) .
قررت أن (أقمع) مشاعر الفضول التي (تقرقع) في صدري تجاه قرار الحلاق اختيار هذه القناة دون غيرها، كي تتسيد المشهد الصامت في محله، فمن حقه أن يشاهد ما يراه قريبا من نفسه، ولأنني في بعض الأحيان أعتبر أن قناة (دنيا) هي القناة الوحيدة في العالم التي تحولت إلى قناة كوميدية دون أن يقصد القائمون عليها ذلك، فقد قررت أن أسلي النفس بمتابعتها أثناء الحلاقة، خصوصا أنني سبق أن بحثت عنها على موقع اليوتوب وضحكت كثيرا من الأكاذيب المكشوفة التي تتبجح بها القناة عن اعتداءات جماعات مسلحة على رجال الأمن الأبرياء في سورية، كما ضحكت على تمثيلياتها المفضوحة مثل تلقيها اتصالا مفبركا من قطر لشخص يتحدث بلهجة أقرب إلى العراقية منها إلى القطرية، يتحدث عن الفقر و القهر الذي يعاني منه الشعب القطري! .. حيث تظن (دنيا) أنها بهذا الاتصال المضحك ترد على قناة الجزيرة، كما سبق أن تسليت ببعض المشاهد التي يظهر من خلالها إعلاميو الشبيحة وهم يشتمون المتظاهرين، وبعض المسؤولين العرب بألفاظ خادشة للحياء إلى درجة أنني تخيلت وجود خطأ مطبعي في اسم القناة وأنها (دنيئة) وليست (دنيا) ! .
المهم أنني تابعت ما كان معروضا على القناة في تلك اللحظة، وكان حوارا فنيا خفيفا مع ممثل وممثلة من الدرجة الثانية، حول الدراما السورية! .. وفجأة سألهما المذيع عن أزمة المسرح فبررا ذلك بضعف الأجور مقارنة بأجور الأعمال التلفزيونية، وطالبا الدولة بالتحرك لحل هذه المشكلة (الدولة وين وأنتم وين؟!)، تخيلوا هذه القناة السورية المحسوبة على النظام مشغولة بالحديث عن أزمة المسرح عشية (جمعة الموت ولا المذلة) ! .. ألا يذكركم ذلك بالتعبير الشعبي الذي يقول: (فلان وده يضيع السالفة ولا هو عارف كيف) ! .
كان الحلاق صامتا طوال فترة الحوار التلفزيوني الطريف، و لم يكن مهتما إطلاقا بما يعرض على الشاشة، بدا لي أنه كان يجبر نفسه على اختيار هذه القناة دون أن يشاهدها، وهذه بالضبط مشكلة الشبيحة في كل مكان في العالم (أنهم يختارون بمحض إرادتهم أشياء لا تعجبهم) .. إنه استعباد الذات لصالح الآخرين وهذه علة ليس لها علاج.
كانت الكلمة الوحيدة التي نطق بها الحلاق الصامت بعد انتهاء مهمته هي: (نعيما) فقلت: (الله ينعم عليك ..و يارب تنتهي أزمة المسرح في سورية) ! .
الكاتب/خلف الحربي klfhrbe@gmail.com