إن أي منتج صناعي أمامنا الأن من الطيارة إلى الورقة تقبع خلفه ثلاث عناصر رئيسية وهي الأنسان والمادة والوقت فالطيارة مثلا صنعها إنسان من مادة واحتاجت عملية البناء هذه إلى عنصر الوقت وبالتالي إن هذه النظرة البسيطة إلى الواقع امامنا ترسم في وعينا صورة أولية لأسس ومنطلقات الحضارة، فالحضارة لها ثلاث عناصر لا تنفك عنها وهي الأنسان والمادة والوقت ولكن وجود هذه العناصر كما هي لا يعني انبعاث حضارة تلقائية و إنما تدب الحياة في جسد الحضارة عند تلك اللحظة التي تتفاعل فيها هذه العناصر الثلاث تفاعلا ديناميكيا في وسط جامع لها بحيث تنتج مشروع بناء حضاري و بالتالي ضرورة وجود وسط جامع و ظل يسمح لهذه العناصر بالتفاعل هو شرط من شروط بناء الحضارة ومنه إن التأمل السريع في تاريخ البشر الحضاري يقيدنا بأن حضارات البشر نشأت و بدأت من الدين من العبد و الصومعة و الكنيسة و المسجد فالفراعنة كما نعرف لهم دين و معبد و الفرس لهم دين ومعبد و المسيحية و الإسلام كذلك أيضا ، و بالتالي إن الوسط المناسب لبعث حضارتنا نحن المسلمين من جديد هو الدين فالدين لسبب بسيط و هو ان الدين لا يتعارض مع سعينا الحثيث نحو الحضارة لا في الماضي ولا في الحاضر فالقرآن مثلا يعرف الانسان بانه كائن مستخلف في الأرض ليعمرها بالخير ( و اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...) فالدين الإسلامي ليس دين إيمان و صلاة فقط بل هو مشروع بناء حضاري متكامل يبدأ من الفرد الى المجتمع في شكل مثلث قاعدته الى الأسفل و المعنى هنا ان وحدة بناء هذا المشروع هي الانسان و السبب ان تعريف الانسان وتحديد وظيفته ينتج لنا وعي و ثقافة مختلفة مثلا الغرب يعرف الانسان بأنه مادة وجدت و مصيرها المحتوم هو الفناء و العدم و بالتالي بناء على هذه التعريف تتحدد الوظيفة فوظيفتهم بناء على هذا التعريف هي الربح أي تحقيق اكبر قدر ممكن من الربح قبل ان يفنوا ومنه نلاحظ ان تعريفنا للإنسان ينتج وعي ونمط اداري معين لان الرأسمالية ظهرت كنتيجة لهذه النظرة للإنسان و بالتالي لا يمكننا نحن كمسلمين بناء حضارة مستخدمين مخرجات تعريف الغرب للإنسان من ليبرالية و رأسمالية و علمانية لسبب بسيط هو ان هذه الأفكار لا تنطبق مع حس الفرد المسلم الداخلي كما اننا نفتقد لشرط و الظرف التاريخي الذي انتج هذه المفاهيم و لذلك إن اول خطوة في إعادة احياء حضارتنا هي تعريف الانسان تعريفا دينيا فالإنسان كائن مستخلف في الأرض ليعمرها بالخير و المطلوب منا الان هو صب هذا التعريف في عقل الفرد بحيث ينتج لنا وعي جديد في عقل الفرد يداخله بالتدريج في اطار بناء مشروع حضاري إسلامي و الهدف العام هو اعمار الأرض بالخير ، النتيجة إعادة بحث حضارتنا يقتضي تعريف الأنسان تعريفا دينيا بحيث يصبح عمل الفرد و المؤسسات داخل ضمن إطار مشروع حضاري متكامل وفي حال إلغاء الدين من سعينا الحثيث نحو الحضارة نحن نلغي المناخ الذي تنبعث منه الحضارة و بالتالي نلغي شرط من شروط بناء الحضارة انتهى عصر البطولة وآن للعقل المسلم ان يوجه الغرب بمشروع حضاري متكامل ينسجم فيه الانسان مع المادة و الوقت .