مرت سبعُ سنوات بعد لحظة شبوب شاب تونس، محمد بوعزيزي؛ و ما انبثق معها حينها، و منذها من هّبََة و هبَات.
و تبع فقدان بوعزيزي فقدُ العديد من زهرات الأمة من الشباب والشابات، كان منهم خالد سعيد في الاسكندرية بمصر.. و غيرهما كثر من فلذات اكبادنا الأبرار.
و كان استعمال كلمة 'الربيع' تقليداً لأحداث مثيرة و منيرة و سلمية و انتجت مخرجات جميلة في عالم الحريات و التغيير المبدع.. فكانت مناراً في وسط اوربا..و نبراساً لأنحاء العالم..و انتشرت تسمية (ربيع) براغ، عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقاً؛ و تبع(ربيع براغ) عدة ربيعات و تمت تسميتها بزهر من الزهور احياناً: البنفسج في براغ؛ و فاكهة من الفواكه حيناً آخر: البرتقال في ربيع اوكرانيا.
و صارت هذه و تلك مثلاً و سابقة و غرسة باسقة؛ فلم اشتعلت الشعلة في الوطن العربي في تونس؛ بحركة بوعزيزي.. و بدأت مطالب الشباب طلع شعار 'ربيع الياسمين'.. ثم اخذ الزمام الملايين من شباب مصر في ميدان التحرير.
*هكذا كان و بدأ و انتشر 'الربيع العربي'.. و ليس ما تمت تسميته و تلبيسه فاختطافه و تشويهه بعدئذِِ و مُنذئذٍِ!*
و ينسى البشر عادة، بل يتناسي اقطابهم، ان ما يحدث عند الجماهير هو من صيرورة الطبيعة؛ و أن الأمور تتطور وتتنامي حتماَ و (تتغير) جّزماً.. و تمضي دوماً في سيرورة كسّيلان الماء من الأعالى الى اسفل الوديان.
ذلك، خاصة اذا ما استذكرنا تراكميات آلام و مطالب و احتباطات المجتمع بعامة، و الشباب بخاصة؛ و كذلك تنامي حاجاتهم و رغباتهم، و تزاحم الضغوطات(!) في مختلف مناحي الحياة.
نلاحظ استعمال مفردات هنا تأتي في شكل جمع الجموع و في تصريف مفعم بالتوتر و المبالغة: 'ضغوطات'، و ليس فثط 'ضغوط'؛ و كذلك تراكميات؛ و غيرها. و في تصوري ان هذا هو انعكاس طبيعي و مباشر لما تتم مواجهته في مناكب الحياة.
و لك ان تتصور مدى إمكان تحمَل الشباب لهذا و ذلك و ذاك! بينما هناك البطالة، مع تضخم و تزاحم السكان و قلة الاسكان؛ و مع افراط ذويهم في التناسل و قلة المسؤولية في الانجاب، و مع تنامي الكبت و الاحباط العام.
فنجد أن في بزوغ و تفجر غضب *الربيع العربي*ما وشىّ بأنَ الشعوب تًمهلُ.. لكنها -و لو بعد حين- لا و لن تهمل!!
و لعل عبارة عبَر بها تونسي مُسن؛ُُ قالها بحرقة غادقة جمعت بين الحرقة والفرحة في آن، حين قال: 'هرِمنا.. هرٍمنا.. في أنتظار هذه اللحظة التاريخية'. (قالها و هو يشير الى بياض شعر رأسه!)
و قد ساهمت تقنية الاتصال و التواصل الاجتماعي بفاعلية مثل (الفيسبوك و التوٍتر) بنشر رسالة الشباب الممتعضين.. و ذلك بسرعة البرق. و كان الشاب المصري وائل غنيم، المقيم في الخليج العربي، من نجومهم في عالم تقنية المعلومات في ذلك المضمار.
و لكن متسنمي السلطة في اي مكان يتمسكون بأهداب ذاتهم و ذاتيتهم؛ و يؤمنون بما تم (و ما يتخيلون تمامه) على انه 'انجازات'.. و إبداعات.. بل و بطولات و مكرمات! و ينسون ان كثيراً ممن سبقهم: بادوا بعدما سادوا؛ رغم ان أولئك أيضاَ كانوا قد سعوا ليبقوا و ليواصلوا حتى آخر رمق لهم.. او حتى خلعهم بعد صرخة 'إرحل'.
و ينسى المتسنمون انهم شاخوا.. و تقادمت افكارُهم و مرضوا و وهنوا.. لكنهم الِفوا ما عملوا و ما هم لا يزالون يمارسون.. و تراهم يكررون تعداد افضالهم لأنفسهم ..و يرددها معهم جوقات الردادين.
و نجدهم في ذلك ليسو مقتصرين على طبََالي الإعلام و مُقدمي البرامج الدعائية الذين يعتلون منبر و مسرح الخطابة و الاذاعة و التلفاز ..و خاصة امام الاطفال كل يوم، ليعلنوها واضحة و بقوة و بشدقين مبتسمين من الأذن للأذن: فيخاطبون الاطفال و يشيرون الى المنظومة القائمة: 'زين، زين؛ كلًَش زين. هيَا قولوا معاي، (يا أولادي!')..
و في هذا هم يعبَرون عن قداسة الوضع القائم! ثم نشأت على هكذا مّوَال و على هذا المنوال اجياُلُُ و اجيال!
هذا، رغم ان المتسلطين قد نالوا حظهم من الحياة و زيادة! بل، نجد من تسنم السلطة لأعلى المستويات ثم واصل إدمان السُلطوان.
*الربيع العربي* كان نهضة حقيقية، و فورة إنسانية طبيعية، لكن المتسنمين بذلوا اقصى مجاهيدهم في الإمساك والتمسك بالكرسي، و كفحوا ثم كافحوا تلكم الحركة المباركة؛ ثم كتموا انفاس شبَانها بالعنف تارة و بشيئ من الرشاوّى و الترضيات و التجاوبات الوقتية.
ثم لاحقوهم بحملات (لا تزال تتواصل) لتشويش صفحة ذلك الربيع، وتشويه سمعته و تكريه الناس فيه، فوصموا (الربيع) بالشتاء و الخريف! و ربطوا بينه و بين انواع الصعوبات و الاضطرابات و الدموي من العمليات الني اصابت عدة اقطار عربية.. بينما لم يكن لشباب الربيع العربي ذاته لا ناقة و لا جمل.
بل انبثق حدثان متلازمان: إجهاضُُ للفورات الشبابية البريئة الحقة و المُحقة؛ و تولى الزمام عددُُ من السلطات المتربصة و الحكومات 'العميقة'.
هذا في الداخل؛ أمَا من الخارج، فقد تكاثرت الذئاب و تكالبت.. سعياً حثيثاً و قاسياً لتفتيت و نهش عدة اوطان عربية.. و ذلك سعياً حثيثاً نحو النفوذ و النفط والغاز؛ و رغبة في السيطرة الاقليمية. قانقضَت على جسم الوطن العربي في مقتل، و اتبعته فجيَشت الدواعش في أكثر من موقع؛ ثم حسبوا هذا و ذاك -ظلماً و نفعياً- على 'الربيع العربي'.. و هو من كل هذا براء. بل إنَ كلِ ما نادى و طالب به اولئك الشباب كان: خبز؛ حرية؛ عدالةاجتماعية؛ و كرامة انسانية.
غير ان اساسات و جذور و اسباب و مقومات الربيع لا تزال باقية، طالما مضت و تمادت الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية (و السَُكانية) مضعضعة؛ و طالما بقيّ ثالوث التخلف: (الفقر و الجهل و المرض) متفشياً!
*و يبدو ان ربيعاً (جديداً) قد بدأ في فارس الكبرى.. مع ميلاد 2018م؛ و أن عهداً للتجديد قد يبزغ.*
و يبقى الأمل في كل مكان معقوداً على حماة و رعاة و دعاة الحرية والديموقراطيا في مختلف الأوطان؛ و سيعتمد ذلك على النابهين الواعدين من الجيل الواعد من الشابات و الشُبان!
فكلُ او جُلَ ما يتطلع اليه هؤلاء و أولئك -في نهاية المطاف، بل و قبل حتى الشوط السابع منه: هو حصولهم على مستوى معين من الحياة الكريمة، و أن ينعموا بقسط من الراحة و الطمأنينة و التنمية، و معها ..و لو قليل من الفرح و السلوى.
في المجمل: فالناس بعامة، و الشباب بخاصة، يأملون -و يحلمون بحياة كريمة، و يسعون إلى وجود له معنى،
و في مثلث:
*الحرية؛
*الديموقراطيا؛
*و العدالة الاجتماعية.
د.إبراهيم عباس نتو
عميدسابق بجامعةالبترول