ضاعت الكلمة، وضاعت السطور وسط ضجيج يصم العيون قبل الآذان، تخبط عربي إقليمي لا نعرف له هوية ولا ضمير، ما حدث الأسبوع الماضي في القطيف، ما هو إلا بداية لمشكلة موجودة منذ القدم في منطقتنا الشرقية، ما هذا الصمت الذي لا يمكن أن تعرب عنه آلاف الكلمات ، ولا أن تختزله مئات الجمل والآهات ، ها هي بوادر زلزلة إقليمية تجتاز القارات لتحمل وزرها بلادا وقرى وطرقات شهدت مئات الحكايات ، لماذا نحن ساكتين عن كتابة الروايات والتنديد بما يجري في الساحات، أم لا نتكلم إلا عندما تحصل الطامة في مناطق العواصف والرعد والقصف العشوائي للأرواح وسفك دماء الأبرياء.
كنت وبالصدفة أجول بين القنوات الفضائية ليستقر إصبعي على حوار بين معارضين سوريين أحدهما ينتمي إلى المعارضة والآخر إلى النظام العسكري، ولاحظت كم الشتائم ولم أفهم شيئا إلا الكلمات التي تعبر عن ثقافة كانت بالأمس تروي الأشعار والقصص التاريخية وتفتي بالحوار بين الأطياف والمذاهب والأديان، فأصبحت الآن لغة الحذاء والتشبيه بالحيوانات ، فكلاهما أضاع ثقافة تعبت عليها أجيال ودهور من الأبيات والعطاء الأدبي لتصبح لغة لا يفهمها إلا مواطن تربى بين النفايات، فلغتنا العربية أصبحت شتائم وهتافات لا يفهم منها شيئا إلا إسقاط نظام ، ولا نعرف ما هو البديل الظالم الذي لا يوجد له هوية إلا من وراء أقنعة الشائعات، من هو الذي يضع النار فوق لهيب لسان كان بالأمس شعلة تهزها الرياح وتطفئها أنهار المحبة والتسامح الديني والطائفي، من الرابح في هذه المهزلة الدولية؟ من المطلع على تفاصيل القضية؟ فوضى عارمة تجتاح مدننا ونحن قابعين في بيوتنا ننظر إلى المشهد الأخير من الصراعات الدولية على بقعتنا الجغرافية البترولية. فلن يستفيد أحد من الهجمات على الآخر ، ولن يستفيد أحد من الإخلال بأمن الدولة التي تربينا على إيقاع نبرتها وأهدافها السامية، من يريد الخراب لأجيالنا بإشعال الصراعات المذهبية والتفرقة العنصرية، والشتائم عبر القنوات الشرعية وغير الشرعية، فكلنا وطن، وكلنا مواطن، وكلنا لديه أهداف واضحة وجلية ، وهي أمن بلادنا العربية العتية من الشرقية إلى الغربية إلى الصحراء النجدية ، فالأمن هو الغالب في كل الأزمنة الهجرية والشمسية، وهو الذي يسعى إليه الإنسان عبر تاريخ مليء بالصراعات القبلية والهويات المذهبية. من المسئول الفعلي عن الهجمات على السفارات في الدول المسيطرة على العالم في هذا القرن المليء بالمفاجآت التي زلزلت المناطق العالمية؟ من يريد إشعال فتيل الصراع والقتال والنعرات المذهبية لاستغلالها في بدء حروب عشوائية لا نعرف لها مصير ولا حتى أهداف إستراتيجية إلا تدمير المنطقة بأكملها لتجزئتها على مناطق فيدرالية.
أصابع الاتهام كلها توجهت بصواريخ سكود الأمريكية لدولة تريد أصلا سببا شرعيا لبث سمومها في شراييننا التاجية لبدء حروب أهلية.
كيف ننصاع إلى هذه البؤرة التي باتت نتائجها تلوح بالأفق الأرجواني في مسارات حلزونية لتخنقنا، ونبيت في قفص اتهام واضعين حبال المشانق على قبور الشرعية، لنصبح نحن المفعول به والفاعل يضيع ضمن الطبقات الجيرية.
فلنقول لا للحروب الأهلية والمذهبية، لنقول لا للمساس بأمن ترابنا الوطني من أي طفيل وأيدلوجيا لا تمت لتراثنا وإسلامنا بشيء ، لأنها ألعوبة دولية تحيط بنا لنهزم ونتفرق ونصبح أفعال ماضية ، وأجيالنا القادمة مفعول به، من غير انتماء ، ضائع الهوية والأهداف الإستراتيجية، فلنكن يد واحدة ضد كل من تسول له نفسه للعب في ساحتنا الجغرافية، لنقول لا لكل من يريد العبث في أمن وطننا من غير استحياء، بل أصبحت العملية كلها شفافة لمن يريد الرؤية ويريد أن يضعنا في خانة لا تمت لنا بصلة، نعم نريد التغيير الإيجابي ، نريد تبديد الفساد الإداري ، نعم نريد حقوق ضائعة بين دوائر عنكبويتة ، ولكن لا نريدها على حساب أمننا الوطني، ولا الإخلال في تركيبتنا الجغرافية ولا الحدودية.
هذه هي نقطة تاريخية لوقفتنا كيد واحدة ضد كل من يحاول اللعب على أوتار الكلمات والاتهامات والإطاحات والإسقاطات الوطنية، ونحن كلنا واحد أمام الهجمات الخارجية، ولنعمل على حل مشاكلنا الداخلية بروية ونظرة مستقبلية لما سيؤول حالنا إن سمعنا وأطعنا للمخططات الخارجية والدولية لتفرقتنا واستباحة دمائنا باسم الديمقراطية التي لا يعرفها الآخر إلا كمسمى وليس كأفعال واقعية.
همسة الأسبوع
ارفع يدي إلى الله عز وجل داعية أولا لشفاء مليكنا وولي عهدنا ويحفظهما وأميرنا نايف الأمن والأمان، واستقرار وطننا في وسط ربيع فعلي مضيء ، مليء بأزهار أجيال مثقفة وواعية لما يحاك لنا من مؤامرات إقليمية ودولية للإخلال في أحوالنا الجوية لتصبح على مقاس ربيع الأمم العربية، وهم لا يعرفون انه صيف ساخن مشتعل وليس له علاقة بأي ربيع في اللغة العربية، ضائع وسط بوصلة حسب الأحوال والمصالح الاقتصادية.