عزل الجيش السوداني صباح الخميس الماضي. رئيس البلاد المشير عمر البشير، بعد صبر طويل اشتكى منه الصبر ذاته ،
الخرطوم التي منذ استقلالها عام 1956 عن انجلترا مرت بعدة انقلابات عسكرية منها 4 انقلابات رأت النور بعضها في اول محاولة منها وفشلت 6 محاولات انقلابية عسكرية على الاقل.. نجح النميري في تصديه لعدة انقلابات بعهده الاطول من بعد البشير اطول رؤساء السودان مدة في الحكم، والبشير تصدى ايضا لعدة محاولات انقلاب بعد نجاح انقلابه ،يأتي من بعد النميري في قوة القبضة حيث افشل عدة انقلابات عسكرية بعد توليه حكم البلاد عام 1989 ومنذ ذلك الحين والبشير يحرس مرمى الرئاسة بثقة يرافقها حذر شديد، حيث من يستغرب تجوله بين الدول وحضوره المؤتمرات و قيامه بالزيارات وتغيبه عن البلاد لايام يثق بقاعدته! وهذا مما يخلق جو ثقه للمتأمل والمتابع لوضع من هم حول البشير ومنهم يستغرب كل من راغب الجو السياسي المتقلب الذي رافق النظام مؤخرا بين المد والجزر والتصعيد العالمي ضد رئيس النظام سيعيش حالة غموض لكنه سيعتقد على مضض من فرط الاستغراب بأن الحذر الشديد كان قد طوى سجادة الوصول الى القصر الرئاسي الحمراء !! ولم يترك فرصة لمن يطمع لدخول القصر!
وكل من هو على دراية بالانقلابات العسكرية التي مرت في السودان وكثرة المحاولات والتجارب وقراءة الوضع السياسي السوداني الداخلي والحركة الحزبية التي تراوح مكانها بأمل ضعيف ولكن ماتلبث وتستقوي عند نزول الشباب للمظاهرات فالكل يعلم ان الاحزاب لم يكن لها فضل على الشعب مهما كانت شرعية الانقلابات ، فاغلب هذه الاحزاب المعارضة عادة ماتسترد قواها على نزيف دم الشباب ثم تركب الموجة بعد ذلك وتحاول القفز بالمقدمة دون اي خسائر تذكر او تضحية لافي صفوف المتظاهرين بالمعارضة ولا بصفوف الجيوش التي نزفت لاجل الدفاع عن الارض، فهي حركات واحزاب انتهازية تعيش على الفرص بدعم البعض منها خارجيا من دول اقليمية،
فحلقات مسلسل الانقلابات في السودان كلها عسكرية بامتياز قام بها ضباط من الجيش وبعض الجنود منذ زمن إسماعيل كبيدة الذي قام باول انقلاب فاشل في اللحظات الاخيرة على حكومة الأزهري الشبه منتخبة بإشراف بريطاني حيث كانت شبهة وشكوك الضباط تحوم حول استمرار الحكومة الجديدة تحت وطأة المستعمر القديم ! فبعد الجلاء في عام 1956 قام مجموعة من الضباط يتزعمهم المذكور كبيدة مرورا بانقلاب اخر فاشل عام 1958 ثم انقلاب 1958 بقيادة عبود الذي نجح بعد فشلين متتاليين لزملائه من الضباط ثم تلاها انقلاب لصغار الضباط ثم تم احتواؤهم في حكومة الدولة بمناصب وكانت بتصور البعض انها اول خطوة حكيمة رحيمة يتخذها نظام عربي اي يقبض على المنقلب عليه ثم يشركه معه ليحتويه ويستوعبه بكنفه بدلا من انزال اشد العقوبات به كما يحصل في كثير من البلدان العربية ثم مر المسلسل بحلقة عام 1969 بقيادة العميد جعفر النميري مع ضباط شيوعيين وقوميين الذي حكم البلاد سنين طوال تجاوزت ال 16 عاما حتى عرف بان نظام النميري كان من اقوى الانظمة الصلبة وتخلل ذلك العهد عدة محاولات لكنه كان اقوى من المنقلبين فاذاقهم المر والعلقم وصل به الامر اعدام بعضهم فكان الجزاء يقاس بضراوة الانقلابات وخطورة استمراره عقب تعرض نظامه لاحد اشرس الانقلابات عام 1971 بقيادة هاشم العطا الذي كاد ان يودي بحكم النميري لنهايته ، فتلتها عدة انقلابات منها الثقيلة ومنها من لاترقى خطورته لاحتسابه كإنقلاب ، منها عام 1975 وعام 1976 وكان بعضها يزعم انه مدبر من انظمة دول مجاورة مثل نظام القذافي في ليبيا فكان النميري يزداد قوة ومازال الامر مستتب له الى ان عصفت بالبلاد ثورة شعبية عارمة عام 1985 نجى منها بقدرة قادر واستمر الحال مد وجزر الى عام 1989 في انقلاب قاده المعزول عمر البشير بمساعدة الاخوان المسلمين من الجبهة الاسلامية القومية بزعامة حسن الترابي الذي وقف فيما بعد ضده وهو صديق الامس وزميله تحت جنح ظلام الانقلاب ،
فمر هو الاخر ايضا بمحاولة انقلاب عام 1990 فانتهت محاولة الانقلاب بعملية إعدامات طالت 28 ضابطا في الجيش من ابرزهم قائد الانقلاب لواء عبدالقادر الكدرو ولواء طيار محمد عثمان حامد ثم عادت موجة الانقلابات عام 1992 بقيادة العقيد احمد الخالد ففشل انقلابه هو الاخر وعاد الاستقرار للجو السياسي والعسكري في السودان حتى عام 2004 فكانت محاولة الإنقلاب تعود لحزب المؤتمر الشعبي المعارض حسب زعم النظام انذاك ،
ومن ذلك التاريخ ونظام عمر البشير يتسيد الموقف باريحية تامة حتى في ثورات الربيع العربي التي اسقطت عدة انظمة فكان وقعها ضعيفا جدا على النظام السوداني الحاكم بحكم ان الثورات كانت تدار من خلفية إعلام عربي واجنبي يعمل على زج الاخوان المسلمين في المشهد السياسي والبشير يعتبر من المحسوبين على ذلك التوجه ، الى ان وقع وقعته المشئومة صباح امس الخميس 11 /4 / 2019 بعد مماطلة من البشير في اصلاح شأن البلاد تملل منها صمت وصبر جنرالات الجيش حتى لم يبق حل الا التفكير بعيدا عن حلول قصر الرئاسة الباهته التي امتعض منها حتى من كان يحرسه البارحة فالجيش لم يقصر وبقي صامتا منتظرا واطال باله للحال كثيرا ولاكثر من شهرين ينتظر حلول البشير وهو كل مرة يظهر على المنصات حاملا عصاه مكبرا وكأنه على جبهة قتال في خطبة رنانة عصماء فصيحة اظهر بها كل ما اختزنه من ثقافة وفصاحة اعجبت المتجمهرين من مؤيديه وبعض العرب المحايدين ولكنها لن ترضي من خرجوا عليه يريدون عدل عمر بدل فصاحة عمر البشير كما يظن اغلبهم ايضا . فأعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف في بيان للجيش موجها للشعب السوداني وللعالم يوم الخميس عن عزل الرئيس البشير واعتقاله بعد ان سرد معاناة الصبر على ذلك النظام المراوغ بإنتظار الحل او اختيار القرار المنتظر منه ليوقف الهيجان الشعبي ولكن دون جدوى كما اعلن عن فترة انتقالية لمدة عامين تتحملها مسؤولية الجيش والامن العام الداخلي مشكلة بلجنة يترأسها وزير الدفاع . عزل البشير اشبه بعزل الرئيس محمد مرسي مع فارق الزمن وصبر القوات المسلحة على نظام البشير اشبه ماهو بصبر الجيش المصري على مرسي والاخوان حتى طفح الكيل في النيل الجنوبي كما طفح كيل النيل الشمالي في مصر ،
الشعب السوداني جرب كثيرا من الوجوه والانظمة والتيارات وان لبس اغلبهم البذلة العسكرية فاغلبهم كان مؤدلج تحت وصاية تيار لان السودان ممتلئة ساحته بالاحزاب وبعضها مدعوما من الخارج!
فمر السودان بحكم تلك الانظمة ديمقراطية وحقوقية في بادئ الامر وشيوعية وقومية واسلامية اخوانية ولم يحظ بحظ سعيد مع كل من تسيد الموقف. عليه ان يجرب من يوالي السودان والسودانيين ولم ينتم لتيار مهما كانت الظروف وعلى السودانيين الاستفادة والعبرة مما حصل لبعض دول الربيع العربي التي بنيت سياسة حكمها على محاصصات حزبية واخرى طائفية ، ولم تنجح الا من ساد موقفها حاكما عسكري غير مؤدلج لايوالي حزبا ولا تيارا الا وطنه ومواطنيه فقط،
فبرأيي المتواضع والذي لايعبر عن رأي لامؤسسة اعمل بها ولا صحيفة اكتب بها ارائي هو ان يتمسك السودانيون بجيشهم هذا الجيش الذي حمى ارض النيل وسمائها قفوا مع البواسل ولاتسلموا رقابكم للاحزاب فوالله الاحزاب لن ترص بنيانا فهذه جارتكم دولة عربية تقاسمت حكمها ثلاثة حكومات وبرلمانات وبقي الامر محزنا حتى التف الشعب على جنرال قديم واطلقه ليعيد البلاد المنهوبة والضائعة التي تقاسمتها العجم واذنابهم من حثالة العرب للاسف الشديد ، وما العيب في مجلس انتقالي عسكري اليس العسكري مواطنا سودانيا مخلصا لوطنه يحمي الارض و الحدود والعرض وذات الخدود !!
من الذي اخرج السودان من ورطته الاخيرة بكل حكمة بلا سقوط قطرة دم الا الجيش السوداني والعين الساهرة على امن البلاد !
لن يحمي حدود السودان حزب "الاسلاميين" وتذكروا العقود التي مر بها حكمهم ولن يحميها القومي صاحب الشعارات ولا الشيوعي الذي يستمد قوت عزمه من خارج البلاد .
لاتبحثوا عن عدالة الفاروق عمر بدل عمر البشير في هذا الزمن ابحثوا عمن يحمي ارضكم وعرضكم ويحقن دماءكم قفوا مع الجيش وعضوا عليه بالنواجذ. لكن إن بقيتم تتبضعون بين دكاكين الاحزاب والله كأني اراكم ستبقون عمرآ زمرا ولن تأكلوا تمرا حتى تلهموا جمرآ. الاحزاب الكثيرة وحكومة المحاصصات الحزبية لن تنجح وسيمضي الوقت بينهم حروب تقوم وتقعد على اقتسام الكعكة من الوزارات والسفارات والولايات وكل منهم يظهر لكم يرعد ويزبد بعد كل انتخابات يشكو عدم حصوله على اكبر عدد من المراكز، اللهم احفظ السودان اللهم احفظ السودان شعبا وجيشا وارضا وعرضا وبحرا ونهرا وجوا واحرسها بعينك التي لاتنام .