بقلم:هدى العمر
يستخدم العديد من العامة مصطلح (مدرسة) للتعريف باتجاه أو أسلوب فني، فتجد على سبيل المثال من يسأل هذا السؤال: الى أي مدرسة فنية تنتمي؟ أو من يعرف أسلوبه من الفنانين بأنه ينتمي الى مدرسة بعينها بقوله: أنا أنتمي الى المدرسة التجريدية أو التعبيرية أو ما شابه. وهذا التعريف أو المصطلح الذي غالبا ما يستخدم ليس بالتعريف الصحيح بل أن من وضعوا أساسا تاريخ الفنون لم يعْرفوا أي من الأساليب الفنية (بمدارس) بل هي حركات فنية أو نزعات توالت وتجددت على مر العصور. فمنذ أن بدأ المؤرخون باستعراض تاريخ الفنون الجميلة بأقدم النظريات الإغريقية(المحاكاة) التي ارتبطت ارتباط وثيق بالنظريات الفلسفية خلال فنون عصر النهضة الأوروبية (القرن الخامس عشر-الثامن عشر) وتصف اللوحة الفنية بأنها لابد وأن تكون الأقرب شبها الى الشيء الواقعي ( الكلاسيكية) حتي ظهرت محاولات جادة أخري لتحرير الفن من جموده الكلاسيكي ما بين (القرن السادس الي الثامن عشر ميلادي) فنجد على سبيل المثال لا الحصر أساليب فردية أو جماعية ظهرت في كل من بلجيكا كأعمال الفنان (روبنز 1577-1640) وأسلوبه في فن الركوكو والفنان (جويا 1746-1828) في إسبانيا وتميل لوحاته الي النزعة الرومانتيكية التي عرفها قادتها بأنها أعمال تميل الي المبالغة في التعبير فالألوان أزهي دائما من الواقع والحركات أكثر عنفا والأشرار أشد شراسة وفي بريطانيا الفنان (جون كونستابل 1776-1837) الذي عُرف برسمه للمناظر الطبيعية بأسلوب جديد كان يُعد ثورة على التقاليد المرعية في رسم الطبيعة حينذاك (الرومانتيكية)وبالتالي انتقلت الفكرة الى فناني فرنسا فنجد تمردا آخر في لوحة الفنان تيودور جيركو المشهورة( طوف الميدوزا 1819م) ولوحة الحرية تقود الشعب للفنان (أوجين ديلاكرو 1830) ومن هنا نجد الفن وقد وقف علي عتبة عهد جديد أنطلق لتنشيط الرؤية للواقع الملموس ولم يؤسس أوجين أو جيركو أو كونستابل أو تيرنر البريطاني أو غيرهم من الرواد أو الفنانين العظام مدارس سميت باسم أي حركة أو اتجاه فني باسم (مدرسة ) فمنذ أن تحرر الفن من القيود الواقعية الصارمة والنقل الحرفي والتحجر بالواقعية القديمة بانطلاقه نحو مفهوم جديد واستقلاله في الإدراك والتعبير في الثلث الأول من القرن التاسع عشر حين بدأت الثورة الانطباعية وما لمسناه من مجموعة عباقرة الحركة التأثيرية أمثال مونيه وسيزان وفان جوخ وغيرهم من جماعات فنية تعاونوا وطوروا وعملوا معا نحو خلق أساليب واتجاهات جديدة لم يطلق عليها مدارس!
ونحن لا نستطيع أن نستعرض أسباب ظهور جميع الحركات الفنية في مقال واحد ولكن المتابع لتاريخ الفن العام يجد الفرق الجوهري في أسباب ظهور هذه الحركات الفنية سواء انطلقت بصفة فردية ومن ثم طورها جماعات كانطلاق الحركة التأثيرية عندما بدأ الفنان الفرنسي ديلاكرو بتصوير لوحاته بنزعة حسية لا عقلية ومن ثم البريطانيين تيرنر و كونستابل بأسلوبهما الرومانتيكي بتصوير (رسم) مناظرهم الطبيعية ضبابية الأجواء صارخة الألوان والأضواء يغلفها الدفيء والغموض ولا نجد في أي مصطلح أو مرجع علمي يشير الى أن هذه النزعات أو الأساليب تسمي(مدراس ) كالتي نستخدمها في التعريف.
فالفن في حقيقة الأمر اكتشاف وتأسيس لعالم جديد من الأشياء وإذا كانت هذه الأشياء نعرفها بعقولنا، فإن الفن تحويل وتحوير مستمر لها عن طريق قوة وجدانية وحسية حيوية. وبهذا ندرك أن العملية الإبداعية تمر بمتغيرات عديدة على مر العصور وارتباط هذه المتغيرات بعوامل التطور التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي لأي دولة فلا نستطيع أن نقارن على سبيل المثال زمن عاشه الفنان دافنشي بالإمكانيات المتاحة له فنيا حينذاك والفكر الفلسفي والعلمي السائد في زمنه مع مثيل له معاصر يستخدم تقنيات أخري مطورة ويعيش حياة اقتصادية وعلمية مختلفة، ولذلك لا نستطيع أن نحكم على مسميات فنية نتداولها ونطلقها على عصور أو قرون ظهر خلالها تطور متلاحق لمعالجات فنية كان من أسباب ظهورها انتماء هؤلاء الفنانين الى مجتمعات سادت بها متغيرات فكرية واجتماعية وعلمية ساهمت في انطلاق حركات فنية لم يطلق عليها أبدا مصطلح (مدارس).
فإذا عرفنا الفنون بمدارس وهو الفكر الخطأ بالتعريف بالمذاهب الفنية فلا نجد دليل واحد يشير الي أن هناك مدرسة تسمي المدرسة الكلاسيكية أو الانطباعية أو التكعيبية أو السريالية إلخ.... في تاريخ الفنون أو الكتابات النقدية لعظماء النقاد أو المفكرين كما لا توجد أكاديمية للفنون الجميلة يؤهل من خلالها الطالب كفنان تشكيلي تخصص مادة تدعي (المدرسة الكلاسيكية) كالتي نجد لها مصطلح يستخدمه البعض بتسمية نفسه (فنان تجريدي أو فنانة تجريدية) !!!! بل أن الفنان الحقيقي والجاد لابد وأن يطلع على جميع الاتجاهات فإذا كان تخرجه من أكاديمية فنون جميلة فأنه على علم بجميع الأساليب والنزعات الفنية وأسباب ظهورها ومقوماتها على مر العصور وربما ممارس لأغلبها لفهم مقومات العملية الإبداعية، ولا يمنع هنا أن يستهويه تيار فني معين يطوره ويتميز في أدائه ليشكل بذلك هوية فنية منفردة خاصة به.